هل حركة الشباب المجاهدين تطبق نسخة متشددة من الشريعة الإسلامية؟

بقلم عبد العزيز محمد
 
يتردد بشكل يومي في تقارير الصحافة الغربية والعربية على حد سواء، تعريف حركة الشباب المجاهدين على أنها حركة متطرفة تطبق نسخة متشددة من الشريعة الإسلامية، فما هو المقصود بذلك؟
يبدو واضحا من خلال وصف الصحافة للحركة بالتشدد، هو تطبيق الحركة للحدود في الشريعة الإسلامية، من حد السرقة بقطع يد السارق في نصاب السرقة، ومن جلد الزاني ورجم المحصن وغيره من حدود معروفة في شريعة الله تعالى.
وحين يصدر هذا الوصف من الصحافة الغربية فهو مفهوم من حيث معارضة الغرب للإسلام واعتباره الحدود في الشريعة الإسلامية “وحشية”، ومن المفارقات أن يصف الغرب الحدود في الشريعة بالوحشية وهو الذي يلقي قنابله وصواريخه حتى الذرية منها بدم بارد على المدنيين العزّل ولا يعتبر ذلك عملا وحشيا!
إلا أن تكرار الصحافة العربية لما تنشره نظيرتها الغربية، يؤكد أنها مجرد “ببغاء” ينشر بدون استيعاب للمعاني وأهداف الإعلام الغربي، إن لم يكن التواطؤ بعينه في تحقيق هذه الأهدف الغربية التي تجتمع في إدامة الهيمنة الغربية على بلاد المسلمين، فما من خبر من الصحافة الغربية يصف الشريعة الإسلامية بمتشددة ووحشية، حتى تترجمه الصحافة العربية بانهزامية غبية وبلا تردد فتصم الشريعة بالتشدد ويصبح من يقيم حدود الله متشددًا ومتطرفًا!.
والسؤال الذي يطرح نفسه، بعيدًا عن إعلام يخدم أجندات أربابه، أو يذّل للمهيمن الكافر، هل حقًا حركة الشباب تطبق نسخة متشددة من الشريعة الإسلامية وما هو التشدد الذي يعيبه الغرب والعرب التابعين لهم، على الحركة؟
تطبق حركة الشباب المجاهدين نظام الشريعة الإسلامية كاملا بحدوده في مناطق سيطرتها ما يعني أنها تقيم حد السرقة بقطع اليد حين يبلغ نصاب حد السرقة، وتجلد الزاني وترجم المحصن حين تكتمل أركان الحد، وتتحاكم في كل القضايا بنظام الشريعة الإسلامية في الدماء والأموال والعلاقات والحقوق والواجبات. فيه تقيم جميع منظومات الحياة على شريعة الإسلام.
وهي تفرض الحجاب الشرعي على النساء دون أن تفرض تغطية الوجه فيعيش في الولايات الإسلامية نساء يلبسن النقاب ونساء لا يلبسنه لكنهن جميعا يلتزمن بالستر.
كما تمنع حركة الشباب الموسيقى والأغاني الماجنة وكل ما يدخل في مشاهدة الأفلام الإباحية وما يدخل في سوء الأدب أو يحرّض على الفاحشة أو الظلم ويهدد الأمن والاستقرار وسلامة المجتمعات.
كما تمنع الحركة المخدرات والخمر وكل أشكالهما، وتستبدل كل ذلك بما أحل الله تعالى، فهي توفر أجواء آمنة لحياة على ضوء الشريعة، وتسمح بالترفيه بل وتساهم في ترفيه السكان بما أحل الله من ألعاب ومسابقات ورياضة وأناشيد وغيره مما لا يدخل فيه منكرات أو محرمات ويبني الإنسان ويقويه لا يهدمه ويهينه.
كما تفرض الزكاة في الأموال والأنعام وتستفيد من الغنائم التي تجنيها من غزوات مقاتليها على قواعد القوات الدولية والحكومية بل وتسمح للشعب أن يأخذ الغنائم بنفسه في المناطق التي تقود فيها هجماتها على القواعد العسكرية الحكومية وقواعد أميصوم أو أتميس.
وهذا ما يفسر إصرار القبائل الصومالية في مناطق الحركة على البقاء تحت ظل حكم الشريعة الإسلامية وإعلانهم المعارضة العلنية والقتالية للحكومة الصومالية المدعومة من الغرب.
فقد عاينوا بأنفسهم بركات حكم الشريعة وقارنوا بأنفسهم واقعهم مع واقع سيطرات الحكومة فأدركوا حقيقة ما يريده منهم الغرب!

 

يناقضون أنفسهم

 

وبالمقابل تعترف الصحافة الغربية بناء على تقارير ميدانية وشهادات ودراسات مفصلة، أن نظام القضاء لحركة الشباب المجاهدين هو الأقوى والأفضل وقد تمكن من فرض الاستقرار والأمن في البلاد حتى أن نسبة الجريمة في الولايات الإسلامية تصل إلى الصفر!
وحتى الزنا والسرقة وغيره من الجرائم التي تستوجب الحد، قد تلاشت بشكل ملحوظ جدًا في جميع الولايات الإسلامية حتى أصبح لا يكاد يقام حد في السنة، ولا يخشى التجار ولا السائقون ولا أي ساكن من السرقة حتى وإن بقيت المحلات مفتوحة بدون أصحابها، لأن المناطق آمنة تماما ولا يوجد في مناطق الحركة قطاع طرق ولا مفسدين كما هو الحال في مناطق الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب.
فتطبيق الشريعة كاملة انعكس على واقع الولايات الإسلامية بنظام قضائي قوي جدًا وقادر على تحقيق العدالة التي أضحى ينشدها حتى السكان في مناطق الحكومة والصوماليون المغتربون في خارج الصومال.
ولولا مصداقية وأمانة المحاكم الشرعية لحركة الشباب المجاهدين لما تحقق كل ذلك! ولولا تطبيق الشريعة الإسلامية لما عرفت الولايات الإسلامية هذا النجاح حتى أن التقارير الغربية لا تتردد في الاعتراف بأن النظام القضائي في حركة الشباب أفضل وأقوى وأكثر فعالية بكثير من نظام القضاء للحكومة الذي يعاني الفساد والمحسوبية والبيروقراطية ولا يفضل في القضايا والمسائل التي يعاني أصحابها من ضياع حقوقهم. ما يجعلهم يلجؤون لمحاكم حركة الشباب المجاهدين.
فالغرب يعترف من جهة أن حركة الشباب أفضل من الحكومة التي يعطيها الشرعية في الصومال على هشاشتها وتصنيفها كأفسد حكومة في العالم، ويعترف أن مناطق الحركة لا تعرف الجريمة وهي أفضل من مناطق الحكومة من حيث الأمن والاستقرار والعدالة ومع ذلك يبذل كل ما في وسعه لأجل أن يمنع إقامة نظام إسلامي شامل في البلاد أثبت نجاحه وتفوقه على نظام الحكومة الصومالية الهشّة والفاسدة. ثم يصف الحركة بالمتشدد والمتطرفة!
كما أن الغرب يعترف أن الشريعة الإسلامية التي تطبقها حركة الشباب هي السر في هذا الاستقرار الذي تعرفه الولايات الإسلامية إلا أنه مع ذلك لا يقر للحركة بشرعية!

 

حقيقة الحرب على الشريعة

 

وهذه الحقيقة تقودنا لفهم لماذا يحارب الغرب الشريعة الإسلامية ويصفها بالتشدد؟!
لأنها في الواقع سبب استقرار وازدهار المجتمعات الإسلامية وبالتالي صعودها ونهضتها الذي يهدد الهيمنة الغربية عليها.
ولذلك يبذل الغرب منتهى جهوده ومساعيه لمنع إقامة نظام الشريعة الإسلامية وينعته بالوحشي والمتشدد لتنفير الناس منه، ومع تكرار هذه العبارات في الإعلام يترسخ في أذهان الناس فكرة أن الشريعة لا تناسبهم ولا تناسب زمانهم وأن الحكم الديمقراطي أفضل منها. ولذلك يحارب الغرب مجرد فكرة إقامة نظام الشريعة ولو بالطرق السياسية وآليات الديمقراطية! فكيف بمشروع كامل يقيمها ويحميها بقوة الجهاد!
وفي الواقع لا يستعمل الغرب الإعلام لترسيخ فكرة تشويه الشريعة الإسلامية فقط بل أيضا لتشويه كل حق وحقيقة وإنجاز للمسلمين في الصومال، فحتى هجمات مقاتلي الحركة النوعية التي تستهدف أهدافًا عسكرية بحتة، يركز الإعلام الغربي وحتى العربي على تحديد القتلى على أنهم مدنيين، للترويج لفكرة الغرب أن الجماعات الجهادية تقتل المدنيين لمجرد القتل! وتكرار هذا التدليس والكذب المحض أكثر من أن يعد في الصحافتين الغربية والعربية بلا خجل!
وهذه الفرية لا يمكن أن تقوم عليها أي استراتيجية حرب، لأن الجماعات الجهادية تستهدف أعداءها لسلبهم النفوذ في الأرض ثم حكمها بحكم إسلامي، وأعداؤها هم القوات الدولية وعملائها ووكلائها المحليين، فما فائدة أن تقتل الجماعات الجهادية شعبها وتؤلّبه ضدها؟ أي مردود تكسبه من مثل هذ الاستهداف السهل وبلا فائدة بل ضرره أكبر! وهذه فرية أخرى تنضم لفرية وحشية الشريعة الإسلامية زعموا! لتغطية حقيقة الخسائر في ميدان المعركة، حيث ترتفع أعداد قتلى القوات المحاربة للجماعات الجهادية بشكل كبير مع كل مواجهة، ويتم خفضها إعلاميا لتخفيف أثر الصدمة ثم إلصاقها بالمدنيين لتشويه حقيقة الصراع، وإظهار القوات الغربية وعملائها في مقام “البطل المنقذ للشعب” من “القتلة الإرهابيين المجرمين”! وكأن هؤلاء “الإرهابيين” ليس لديهم أهداف نبيلة في تحرير بلادهم وإقامة نظام إسلامي مستقل عن كل هيمنة واحتلال أجنبي.
ويكفي قراءة تاريخ كل ساحة صراع من مصادر مستقلة متجردة للحقيقة، لندرك أن هذه الجماعات لم تقم إلا من أثر السياسات والتدخلات الأجنبية المفسدة في بلادهم. فهم استجابة لكل عدو صائل وماكر.
ولو اكتفى الإعلام الغربي وحتى العربي فقط بنقل ما يجري على الأرض دون تدخل بتشويه الحقائق، لكان من السهل على الناس فهم ما يجري في كل أرض مواجهة بين الهيمنة الغربية ودعاة وحماة الشريعة الإسلامية.
ولنصل في الأخير إلى أن الحرب في أصلها ليست على حركة الشباب المجاهدين ولا أي جماعة تطالب بنظام الشريعة، بل هي الحرب على نظام الشريعة الإسلامية نفسه وكل محاولة لإقامته حتى لو كانت على يد مدنيين، كل ذلك على الرغم من جدارته في حكم البلاد، فالحكومة الصومالية على الرغم من فشلها في أداء دور الحكومة مكتفية ومستقلة، إلا أنها لا تزال تحظى بدعم كبير وغير معقول للاستمرار فقط بهدف نزع الشرعية عن حركة الشباب التي أثبتت تفوقها من حيث التمكن من حكم البلاد وحفظ استقرارها وأمنها.
وكذلك كان الحال من اتحاد المحاكم الإسلامية التي أسقطت بغزو إثيوبي أمريكي على الرغم من أنها سمحت باستقرار البلاد وتأمينها لأول مرة بعد حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس. ولذلك خرجت حركة الشباب لتقيم الحكم الإسلامي من جديد ومقاومة كل مشروع احتلال وهيمنة، وبعد أن كانت مجرد ذراع عسكرية للمحاكم تحولت لإمارة إسلامية قوية مرنة ومتجذرة في الأرض، واسعة الانتشار تمتد حتى في كينيا.
ولكن يبدو واضحا أن قادة الغرب على الرغم من توالي هزائمهم في الصومال، وفشل استراتيجياتهم المتوالية، وهدرهم لمليارات الأموال، لا يزالون بحاجة لمزيد فشل وخسائر ليقتنعوا أن الاستسلام لاستمرار الصعود الإسلامي في الأرض أصبح واقعًا يفرض نفسه كما فرضه في أرض أفغانستان بعد 20 سنة من الحرب! وأن زمن الاحتلال والهيمنة الغربية في العالم الإسلامي دخل مرحلة الأفول مهما طالت هذه المرحلة.
وفي الختام، ستتلاشى أكاذيب وتدليسات الإعلام وتبقى الحقيقة هنا وإن تأخر ظهورها إلى حين لأن ما يجري على الأرض هو الذي يحسم المعركة وليس ما يجري على الإعلام.