مشروع سد النهضة يتعثر وإسرائيل تشيد برئيس وزراء إثيوبيا وتعلن عن دعمها له

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

لم ليبث بريق الدعاية لنجاح مشروع سد النهضة الإثيوبي طويلًا حتى بدأ بالخفوت مع إعلان تمديد تاريخ افتتاحه وكشف الستار عن المشاكل التي تعاني منها إدارة المشروع الواعد في البلد الإفريقي.

 

ورغم ما ساده من ضبابية خبر مقتل مدير المشروع قبل أشهر في ظروف غامضة انتهت بإغلاق ملف التحقيق على أنها قضية انتحار وتعيين مدير جديد، يواجه إنشاء سد النهضة عقبات عديدة دفعت برئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إلى التراجع عن تاريخ الافتتاح المقرر مسبقًا بحلول عام 2020 م وتأخيره لعدة سنوات أخرى.

 

أسباب تعثر المشروع

وأرجع أبي أحمد سبب التأخير إلى مماطلة في تنفيذ الجوانب الكهروميكانيكية للسد من قبل هيئة المعادن والهندسة “ميتيك” المتعاقد معها، وهي شركة تابعة لقوات الدفاع الإثيوبية.

 

وقال أبي أحمد في تصريح له : “بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير كان قد تم تخطيطه للانتهاء منه في خمس سنوات ولكن لم نتمكن من ذلك بسبب إدارة فاشلة للمشروع  وخاصة بسبب تدخل شركة ميتيك”.

 

وقد تسبب هذا التأخير من هيئة المعادن والهندسة “ميتيك” في مطالبة شركة ساليني الإيطالية المشرفة على جزء من المشروع، الحكومة الإثيوبية بمبالغ ضخمة كونها انتهت من عملها في الموعد المحدد له قبل غيرها.

 

إلا أن مسؤولين آخرين أرجعوا هذا التأخر إلى تغيير في التصميم، أدى إلى زيادة سعة توليد السد وتأخير الأعمال الكهروميكانيكية.

 

أسباب أخرى أعمق

من جانبه قال نائب رئيس ولاية الجنوب ومدير مكتب العلاقات العامة، إلياس شاكير، إن “خروج معلومات مختلفة حول السد وعدم توفير المعلومات الصحيحة، أدى إلى عدم ثقة الجمهور فضلا عن عدم وفاء المتعهدين بدفع المبالغ التي تعهدوا بتقديمها”.

 

وأوضح شاكير أن المشروع لم يستوفي بعد التعهدات المالية من بيع السندات المالية والتبرعات التي وُعد بها، حيث أنه لم يحصّل من إجمالي الـ 2.1 مليار بر إثيبوي إلا على 1.35 مليار بر إثيوبي فقط، مع العلم أن 1 دولار الأمريكي يساوي 28:22 بر إثيوبي.

 

وبحسب تصريحات شاكير فيبدو أن هناك حلقة فساد تسببت في تأخر إدخال الأموال المجموعة إلى صناديق المشروع، إضافة إلى تراجع المتعهدين عن الوفاء بعهودهم، وهذه أحد أهم الأسباب التي تؤخر السد عن انطلاقته إضافة لعقبة شركة ميتيك.

 

 مشروع ضخم ولكنه مقلق

وقد صاحب الإعلان عن مشروع سد النهضة الجديد دعاية ضخمة، بحجم ضخامته إذ من المقرر أن يولد المشروع  6.45 ميجاوات ليصبح بذلك أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في إفريقيا، وسابع أكبر سد في العالم عند اكتماله وقد بلغت تكلفته 4 مليارات دولار.

 

ولكن الإعلان عن مشروع سد النهضة الضخم أثار عواصف من الخوف والتوجس في الجانب المصري، إذ أن انطلاقة السد تعني تقليص حجم الثروة المائية التي تتمتع بها مصر حاليًا، وهو ما أدى إلى احتقان شديد في العلاقات الإثيوبية المصرية، تطور إلى سلسلة اجتماعات بين ممثلي البلدين مع ممثل السودان ولكن لم تفضي هذه الاجتماعات بين الأطراف الثلاثة المعنية بالسد، إلى حل نهائي على طاولة المناقشات حتى الآن رغم رسائل التطمين التي أرسلتها أديس أبابا إلى القاهرة.

 

ويرى المراقبون من المنطقي جدًا أن تتوجس مصر من هذا المشروع كون المساس بالثروة المائية في بلد يقطنه مائة مليون نسمة تعتبر قضية أمن قومي ابتداءً.

 

ويجدر الإشارة إلى أن التاريخ المرتقب للانتهاء من مشروع سد النهضة تأجل إلى 4 سنوات أخرى، وهي رهينة الالتزام بمراحل تنفيذه وتمويله بدون أن يقطع ذلك طارئ.

 

طموحات أبي أحمد تصطدم بالواقع

ويظهر أن أمام أبي أحمد مشورا طويلا لتحقيق وعوده التي وعد بها الشارع الإثيوبي، ذلك أن تعثر سد النهضة لم يكن في حسابات رئيس الوزراء الجديد، في وقت لا زالت تشهد فيه البلاد اضطرابات مستمرة.

 

فقد  فر 80 ألف نازح إلى شرق البلاد بعد انطلاق اشتباكات بين القبائل من أصول صومالية وأخرى إثيوبية في إقليم أوروميا.

 

وتتحدث التقارير عن نزوح 3 ملايين مواطن إثيوبي إلى مناطق مختلفة داخل البلاد هروبًا من مناطق الاقتتال العنيف، خلال فترة لم تتجاوز عاما ونصف العام.

 

وتعاني مخيمات النازحين من ظروف معيشية سيئة ما يزيد من تعميق مأساة الإثيوبيين ويثقل كاهل السلطات الإثيوبية ورئيس وزرائها الذي أصبح يشعر بحجم الصعوبة في تحقيق وعوده للشعب الإثيوبي التي كان يرددها عند استلام منصبه.

 

ورغم ما يحظى به أبي أحمد من دعم أوروبي وأمريكي لتحقيق تغييرات ملموسة في إثيوبيا إلا أن سياساته التي خرجت عن نهج الائتلاف الحاكم المألوف منذ عقود من الزمن، لم تتمكن من إسكان ثورة الشعب الإثيوبي الداخلية التي تنفجر مع كل شرارة. مع العلم أن أبي أحمد كان قد أفرج عن السجناء وخفف من قيود القمع على الشعب الثائر إلا أن المراقبين يرون في مشاكل الشعب الإثيوبي عمقا يحتاج إلى معالجة أساسية، إضافة إلى وجود أطراف معارضة لأبي أحمد وغالبا ما تكون من قبيلة التيجري، التي كانت تحتل منصب رئيس الوزراء لإثيوبيا بشكل مستمر إلى أن جاء أبي أحمد من أصول أورومية فأبطل هذه العادة في حكم إثيوبيا.

 

وقد تعرض رئيس الوزراء الإثيوبي لمحاولة اغتيال بتفجير قنبلة في تجمع له قبل أشهر كما هاجم مكتبه جمع من الجنود والضباط بشكل مفاجئ، وانتهى الأمر باعتقال المهاجمين وتهدئة صفوف الجيش بحزمة وعود أخرى.

 

إسرائيل تشيد بأبي أحمد وتعلن دعمها له

وفي الوقت الذي تلتفت فيه الأنظار لأبي أحمد وإنجازاته وتعثراته في الساحة الشرق إفريقية، تتغاضى عن الاهتمام الإسرائيلي برئيس الوزراء الإثيوبي، حيث وجه رافائيل موراف سفير الكيان الإسرائيلي لدى إثيوبيا، في زيارته لأديس أبابا في شهر أبريل نيسان من العام الماضي، رسالة إلى أبي أحمد مفادها أن إسرائيل ملتزمة بدعم إثيوبيا لتطبيق وتنفيذ الإصلاحات الجارية التي تقوم بها حكومته.

 

وقال السفير الإسرائيلي: “نحن متحمسون جدًا لإصلاحات رئيس الوزراء أبي أحمد وسنعمل معًا في تنفيذها، إسرائيل تدعم وترغب في مساعدة إثيوبيا وحكومتها بأي شكل من الأشكال المطلوبة في ترتيب تنفيذ هذه الإصلاحات”.

 

وليست المرة الأولى التي تعلن فيها دولة الاحتلال الإسرائيلي عن علاقات ودّية مع إثيوبيا، فإن تل أبيب تعمل منذ زمن بعيد على تهجير يهود الفلاشا من أصل إثيوبي بالآلاف إلى أرض فلسطين المحتلة كجزء من مشروع زيادة كثافة اليهود المستوطنين في الأراضي المحتلة عن طريق عمليات التهجير.

 

ولا تزال هذه العملية مستمرة في إثيوبيا إلى اليوم، حيث أعلنت وزارة الاستيعاب والهجرة الإسرائيلية مؤخرًا عن خطة لاستجلاب 300 مهاجر جديد من يهود إثيوبيا إلى فلسطين المحتلة خلال الشهور الثلاثة القادمة. وهم جزء من 8000 يهودي إثيوبي ينتظرون الهجرة إلى الأراضي المحتلة.

 

وأضاف رافائيل موراف معبرا عن أهمية إثيوبيا لدى حكومته: “في الواقع إثيوبيا وإسرائيل تشتركان بشكل كبير في التعاون العميق والبحث عن مستقبل هذا البلاد وتطوير اقتصادها وهدفها لأن تصبح دولة متوسطة الدخل”.

 

وإضافة إلى فتح باب الدعم لأبي أحمد في جميع المجالات، أيّد السفير الإسرائيلي اتفاقية المصالحة الأخيرة مع إريتريا بشكل كبير.

 

كما لفت الانتباه إلى أهمية التطورات الأخيرة في شرق إفريقيا، ووصفها بالأمر الحاسم للقارة ككل، ومشيدًا بدور إثيوبيا، الذي لعبته مع السودان وانفصال الجنوب عن الخرطوم.

 

وتأتي تصريحات السفير الإسرائيلي لتؤكد عمق العلاقات بين تل أبيب وأديس أبابا وأهمية الأهداف التي يسعى لتحقيقها  أبي أحمد في المنطقة بالنسبة لتل أبيب.

 

ويجدر الإشارة إلى أن القواعد العسكرية الإسرائيلية تتواجد في منطقة إريتريا أين تنشط أيضا قواعد عسكرية إيرانية.

 

كما سعت الحكومة الإسرائيلية في السنوات القليلة الماضية إلى تكثيف تواصلها مع دول القارة الإفريقية، وقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أكثر من مرة، بأنه يهدف إلى كسر التأييد الأفريقي الواسع لفلسطين في المؤسسات الأممية والدولية.

 

فهل سيساعد الدعم الدولي والإسرائيلي أبي أحمد في تحقيق طموحاته في شرق إفريقيا، هذا ما ستجيب عنه الأيام وتحدده التحديات التي لا زالت في الطريق.