ما وراء زيارة الرئيس السوداني المفاجئة لدمشق

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

لم تلبث صدمة زيارة الرئيس التشادي لتل أبيب في ضيافة رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” أن تمضي حتى تلتها صدمة أخرى لم تكن متوقعة للمنطقة وهذه المرة من الرئيس السوداني “عمر البشير” الذي زار هذا الأسبوع العاصمة دمشق ليستقبله بشار الأسد استقبالا حافلًا يطرح العديد من الأسئلة حول دوافع هذه الزيارة وحقيقة التناقضات التي عكستها تصريحات البشير منذ انطلاق الثورة السورية وأثناء الزيارة المفاجئة.

 

تصريحات متضاربة

فقد سبق وأن صرّح البشير بتصريحات قوية ضد نظام الأسد خلال أوج ثورة الشعب السوري ضد هذا النظام لاقتلاعه، كان منها: “بشار الأسد لن يرحل بل سيُقتل”.

 

وأخرى كانت أكثر وضوحا في تبيان موقفه من نظام الأسد حيث قال: “لقد نفذ صبري اتجاه قتل المدنيين في حلب فإما أن تتوقف أو سنرسل  جيشاً عرمرماً أوله في دمشق وأخره في الخرطوم قد اعذر من أنذر”.

 

ومع ضخامة التهديدات التي صدرت من الرئيس السوداني اتجاه النظام السوري، تأتي زيارته الأولى والتاريخية لدمشق لتكشف عن درجة التناقض التي يعاني منها البشير في إبراز مواقفه.

 

ولأن الزيارة لم تكن متوقعة بعد تصريحات البشير النارية كان في استقباله – بالتأكيد- بشار الأسد شخصيًا في مطار دمشق الدولي ثم القصر الجمهوري. حيث أدلى البشير بتصريحات جديدة مختلفة قال فيها إن “سوريا هي دولة مواجهة وإضعافها هو إضعاف للقضايا العربية وما حدث فيها خلال السنوات الماضية لا يمكن فصله عن هذا الواقع وبالرغم من الحرب بقيت متمسكة بثوابت الأمة العربية”.

 

وبعد تعبير البشير عن أمانيه وتقديره لنظام الأسد، أكد وقوف بلاده إلى جانب سوريا وأمنها وأنها على استعداد لتقديم ما يمكنها لدعم وحدة أراضي سوريا.

 

من جهته قال بشار الأسد عن زيارة البشير بأنها “ستشكل دفعة قوية لعودة العلاقات بين البلدين كما كانت قبل الحرب على سوريا”. منتهزا الفرصة للإشادة بالعروبة وتوجيه النقد لمن يُعوّل من الأنظمة على الغرب قائلا: “لأن تعويلها على الغرب لن يأتي بأي منفعة لشعوبها”.

 

دوافع الزيارة

ويرى المراقبون التقارب السوداني الروسي الأخير الدافع الأول وراء هذه الزيارة غير المتوقعة والتي تعدّ الأولى من زعيم عربي منذ 8 سنوات لسوريا أي منذ بداية الأزمة في مارس آذار عام 2011.

 

فقد وجد البشير في بناء علاقات مع موسكو بديلا قويا على واشنطن التي سبق وأن فرضت عقوبات مجحفة بحق الشعب السوداني وحكومته انتهت أخيرا بقرار الرفع ومحاولة إنعاش العلاقات بين البلدين مع أن البرودة تغلب على أجواء العلاقات السودانية الأمريكية رغم محاولات السودان للتقرب من إدارة ترامب.

 

إحباط من العلاقات الأمريكية السودانية

ويجدر الإشارة إلى أن إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، وضعت السودان في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1993 ضمن قائمة الدول الراعية لما يُسمى الإرهابَ، وفي عام 1997، فُرضت عقوبات اقتصادية مباشرة على السودان، وشملت وقف تقديم القروض والمنح للحكومة السودانية.

 

وفي سبيل التمكن من رفع مطرقة العقوبات على الخرطوم، حاولت الحكومة السودانية تحسين علاقتها مع واشنطن، فدفعت بقوة في خط التعاون الأمني المباشر في مجال مكافحة ما يُسمى الإرهاب، ومفاوضات ما يُسمى السلام في جنوب السودان، التي  أدت لانفصال الجنوب في العام 2011.

 

وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإلغاء العقوبات الاقتصادية على السودان، مع الإبقاء على اسم البلاد ضمن قائمة الدول الراعية الإرهابَ، فلم تستفد بذلك الخرطوم من قرار الرفع لخشية الشركات والأنظمة المالية من عواقب الاستثمار في السودان كدولة مصنفة في القائمة الأمريكية.

 

ويرى المراقبون أن السودان في سبيل محو اسمها من قائمة الدول الراعية لما يُمسى الإرهاب رفعت مستوى التنسيق الأمني في عدد من الملفات، حتى “باتت الاستخبارات الأميركية أكثر رضى على الخرطوم، بل أضحت الأعلى صوتاً، من بين الأجهزة الأميركية، تطالب بتخفيف وطأة العقوبات عن السودان، لتشجيعه على المضي في المزيد من التعاون الأمني، خصوصاً في ملفات إقليمية”.

 

ورغم كل الرحابة التي استقبلت بها حكومة البشير الشروط والإملاءات الأمريكية، يبدو أن تمادي الأمريكين في رفع سقف المطالبات باشتراط عدم ترشح عمر البشير للانتخابات الرئاسية لعام 2020 كان السبب الأول وراء تراجع العلاقات الأمريكية السودانية وتخطيط البشير لإيجاد بديل سريع وقوي للولايات المتحدة.

 

 البديل الأمثل للأمريكيين

ومع أن قبضة الإدارة الإمريكية بدأت تخف على الخرطوم، إلا أن خشية البشير من  خسارة كرسي الحكم دفعه للاحتماء بالقيصر الروسي، المنافس اللدود والتاريخي للولايات المتحدة الأمريكية.

 

وشهدت موسكو والخرطوم تبادلا للزيارات والتمثيل الديبلوماسي وإبرام صفقات تعاون اقتصادي وغزل التصريحات المتبادلة.

 

وكون روسيا الحليف الأول لنظام الأسد، فيبدو أن عربون التحالف الجديد مع روسيا لابد أن يكون من ضمنه فتح صفحة جديدة من التضامن والدعم للنظام الروسي والتغاضي عن المواقف السلبية السابقة اتجاه هذا النظام وعن جرائمه رغم فظاعتها.

 

السحر الروسي

والظاهر أن تأثير السحر الروسي في علاقات الدول العربية مع نظام الأسد لم يقتصر على الرئيس السوداني فحسب، بل وصل إلى جامعة الدول العربية حيث شهدت الأشهر القليلة الماضية مطالبة عدد من الدول الأعضاء إعادة تفعيل العلاقات مع دمشق، وكذلك إعادتها لشغل مقعدها في الجامعة بعد أن تم تعليق عضوية سوريا فيها منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2011، بعد انطلاق الثورة السورية.

 

وإلى أن تتجلى ملامح الصفقات المبرمة بين نظام السودان وروسيا وسوريا، تبقى إمكانية توالي الزيارات لدمشق من الزعماء العرب والأنظمة في المنطقة متوقعة وقريبة، خاصة مع ركوب الأنظمة العربية قطار التطبيع العلني مع إسرائيل، وتسابقها لنيل رضى موسكو إذا أعرضت واشنطن، ما يعكس مشهد خريطة جديدة تُرسم للشرق الأوسط لا شك أنها مرتبطة ارتباطا وثيقًا بأجندات الدول الكبرى في المنطقة ودرجة نفاذ استراتيجيات كل منها في المنطقة.