ماذا وراء استهداف “أفريكوم” للنساء والأطفال في الصومال؟
تكررت مؤخرًا حوادث استهداف النساء والأطفال في القصوفات التي تنفذها القيادة الأمريكية العسكرية في إفريقيا “أفريكوم”، وفي ذلك دلالة على أن الإدارة الأمريكية قد رفعت يدها عن الضوابط التي كانت تشترطها في إجراء القصوفات الجوية ضد حركة الشباب المجاهدين ووسعت دائرة الاستهداف لتشمل الشعب الصومالي القاطن في الولايات الإسلامية التي تقع تحت سيطرة الحركة.
لقد قتلت القوات الأمريكية في أحدث قصف بطائرات بدون طيار، 8 أفراد من أسرة واحدة من النساء والأطفال، وبالتأكيد أن أفريكوم كانت على علم بوجود هذا العدد الكبير من المدنيين من النساء والأطفال في البيت الطيني المستهدف في قصفها الأخير، بضاحية “بوردحلي” في ولاية باكول جنوب غربي البلاد، صباح يوم الجمعة.
والسؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي يجعل الولايات المتحدة تستهدف النساء والأطفال العزل في هجماتها في الصومال؟
والجواب تلخصه حالة الساحة العسكرية في البلاد، على إثر فشل هجوم الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب على مناطق سيطرة حركة الشباب المجاهدين، في وسط البلاد.
ويبدو أن حالة السخط والإحباط الأمريكية ليست من حركة الشباب حصرًا وإنما من الشعب الصومالي الذي يسكن الولايات الإسلامية.
فقد أدى خروج شيوخ القبائل في الولايات الإسلامية وسط الصومال للتنديد بالحملة الحكومية على مناطقهم، ومشاركتهم في القتال جنبًا إلى جنب مع مقاتلي حركة الشباب المجاهدين إلى إحداث إحباط كبير في صفوف القوات الحكومية التي فرّت بعد الهجوم الكاسح عليها في منطقة “عوسويني” بولاية جلجدود، وهي تشهد ترحيب السكان والقبائل الصومالية في المنطقة بانتصارات مقاتلي حركة الشباب.
لقد كانت رسالة الشعب الصومالي واضحة جدًا، بأنهم لا يقبلون غير حكم الشريعة الإسلامية، ولن يسمحوا بأي سلطة للحكومة المدعومة من الغرب عليهم، ولن يترددوا في التصدي للقوات الحكومية بأنفسهم، ويكفي دليلا على ذلك، إلى جانب مشاركتهم في القتال وأخذ الغنائم مع مقاتلي حركة الشباب المجاهدين في المعارك ضد القوات الحكومية، انسحابهم الكامل من مدنهم وقراهم التي احتلتها القوات الحكومية في معارضة جماعية لسلطة الحكومة الصومالية التي تنادي بالديمقراطية الغربية بديلا عن نظام الشريعة الإسلامية.
إن استهداف الأسر الصومالية بهذا الشكل الجماعي وبدم بارد، بحجة الحرب على حركة الشباب المجاهدين، حجة بالية وتفضح نوايا أفريكوم التي تتباهى بقوتها العسكرية وتطور تقنيتها الجوية في استهداف يتجنب الخسائر المدنية على حد تعبيرها.
ومن العار على قيادة أفريكوم أن تستمر في إصدار بيانات منسوخة، بتعبير إنشائي مكرر، لإنكار استهدافها المدنيين في الصومال، بينما التقارير الميدانية المستقلة وشهود العيان وجميع الأدلة الدامغة تفضح المستوى المنحط الذي وصلت له أفريكوم مؤخرًا، فحتى الاعتراف بأخطائها وتحمل مسؤوليتها في قتل مدنيين في مثل هذه القصوفات لا تقدر عليه.
والولايات المتحدة معروفة بأنها تتبع نهج “الأهداف قصيرة المدى” التي تلبي حاجة القوات الأمريكية للانتقام السريع والظهور على أساس “الإنجازات المحققة”، إلا أنها على المدى البعيد ترتد بآثار عكسية مدمرة للاستراتيجية الأمريكية في الصومال، فقد اشتد عداء الشعب الصومالي في الولايات الإسلامية للولايات المتحدة، ولا تزال الطائرات الأمريكية التي تحلق في سمائهم محط سخط ولعنات على الأمريكيين.
ولا يستهان بمثل هذا السخط لأنه أول دافع للتجنيد في صفوف الجهاد في حركة الشباب المجاهدين، ولأنه يزيد من مصداقية رسالة الحركة التي تؤكد على أن الهيمنة الأمريكية هي التي تسعى لمنع إقامة نظام الشريعة الإسلامية في الصومال المسلم وتحشد لذلك القوات العميلة والقوة العسكرية والتمويل الدولي، كما فعلت سابقا مع اتحاد المحاكم الإسلامية بإدخال الجيش الإثيوبي ليعيث في أرض الصومال فسادًا، حتى تصدت له حركة الشباب المجاهدين وكبدته الخسائر التي لم يكن يتوقعها.
واليوم تستمر القصوفات الأمريكية في تعرية نوايا أفريكوم في الصومال، ولتكشف كيف تسببت الهزائم المتوالية للقوات الحكومية المدعومة بالقوات الأمريكية في الميدان باضطراب كبير في سياسة الاستهداف الجوي، وغلبت مشاعر الحقد الصليبي على كل شيء. خاصة وأن الكثير من الخسائر وقعت في صفوف القوات الخاصة الصومالية التي تلقت تدريبها على يد القوات الأمريكية وتحظى بقيادة وتوجيهات ودعم القوات والطائرات الأمريكية، وهي قوات “دناب” التي فشلت في التصدي لهجمات حركة الشباب المجاهدين على قواعدها العسكرية.
وتحولت الأموال والجهود الأمريكية المبذولة في تأسيس قوات قادرة على محاربة حركة الشباب المجاهدين إلى غنائم في يد مقاتلي الحركة، وهذا ما يفسر تصاعد القصوفات الأمريكية مؤخرًا وتوسيعها دائرة الاستهداف لتشمل الشعب الصومالي المعارض للحكومة الصومالية.
ومع أن أفريكوم تعتقد أنها بمجرد نشر بيان يتنصل من جرائمها قد تخلصت من المسؤولية فإن هذا الصراع الدائر في الصومال تغذيه الحقائق على الأرض، والصوماليون في الولايات الإسلامية لا يبالون بكل بيانات أفريكوم حين يشاهدون قتلاهم من النساء والأطفال وحطام الصواريخ الأمريكية قد دمر منازلهم.
ولذلك على القيادة الأمريكية أن تتعلم من درس أفغانستان جيدًا، فلم تجني من قصف المدنيين العزل سوى مزيد تقوية لصفوف حركة طالبان، ولم تترك في سيرتها إلا الأدلة على درجة الكذب والتخبط الذي تعاني منه القيادة الأمريكية في حربها ضد الإسلام.
إن مثل هذه القصوفات تجهض كل محاولة غربية لإكساب الحكومة الصومالية شرعية في البلاد. وإن أول أسباب فشل الحملة العسكرية على الولايات الإسلامية كانت حقيقة في رفض السكان لأي سلطة غير سلطة الشريعة. وهو ما لم تستوعبه بعد الحكومة وحلفائها وداعميها.
تقدم الولايات المتحدة اليوم دليلا آخر على أن الحرب في الواقع لم تكن على تنظيم القاعدة ولا حركة الشباب المجاهدين وإنما هي حرب على كل من يريد نظام الشريعة الإسلامية أو يناصره أو يرضى به!
وفي ذلك توضيح للمشهد بشكل لا يحدث أي لبس في فهم الصراع الدائر في الصومال.
فهو صراع بين الديمقراطية الغربية التي يمثلها “أفسد حكومة في العالم” مع نظام الشريعة الإسلامية التي تضحي لإقامتها حركة الشباب المجاهدين محاطة بالقبائل الصومالية المسلمة الأبية.
وإن كل قطرة دم سفكت بدون حق في الصومال، سترتد على الحكومة الصومالية والتحالف الدولي، بإطالة أمد الصراع بشكل لا يمكن حسمه أبدًا لصالح الغرب وأجندته في الصومال.
ولعل هذه الهجمات ستشجع عمليات استهداف مباشرة للمصالح الأمريكية والشعب الأمريكي أينما وصلته أيدي الصوماليين.
ومن يتأمل تاريخ الصراع في الصومال وسحل الجنود الأمريكيين في شوارع العاصمة مقديشو وفرحة الشعب الصومالي بذلك في يوم مضى، فإنه يعلم جيدًا أن الصومال أرض عصية على القوات والأجندات الأمريكية.