قصة اختطاف معارض من جنوب السودان تكشف الستار عن جرائم الحكومة الكينية خارج إطار القانون

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية 

نشرت وكالة أسوشيتد برس تقريرًا يتهم حكومة كينيا بالتورط في عملية اختطاف مسؤول كبير في المعارضة من جنوب السودان.

 

وقال جيمس جات داك، زعيم المعارضة المسلحة في جنوب السودان في حديثه لوكالة أسوشيتد برس : “لقد شعرت بالرعب .. كنت أعلم أنني سأواجه أوضاعا رهيبة”. في تعليقه على عملية الاختطاف التي تعرض لها على أيدي السلطات الكينية.

 

عملية اختطاف من قبل حكومة

وقد اختطفت السلطات الكينية داك الذي يعتبر أحد أبرز المعتقلين المعارضين خلال الاضطرابات في جنوب السودان، وذلك أثناء إقامته في العاصمة نيروبي، حيث ألقت القبض عليه باستعمال القوة وبدون أي متابعة قانونية أو إعلان رسمي لعملية الاختطاف ثم قامت بترحيله إلى جنوب السودان مرة أخرى حيث واجه حكما بالإعدام.

 

ولكن داك حصل على حريته بعد ذلك وأطلق سراحه عقب العفو العام الذي أصدر بموجب اتفاق السلام الهش في شهر سبتمبر / أيلول ويحاول حاليا الحصول على لجوء للسويد.

 

قصة داك

وقد قصّ داك قصته على لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة ليكشف الستار عن ممارسات الحكومة الكينية لعمليات الاختطاف على طريقة المجرمين، وترحيل المختطفين لسجون الحكومات التي تنسق معها خارج إطار القانون.

 

وأكد داك بأن السلطات الكينية بشخصيات من المستوى الرفيع، تعاونت مع حكومة جنوب السودان، لاختطافه من منزله في نيروبي في شهر في نوفمبر / تشرين الثاني 2016 وقامت بإجباره على ركوب طائرة لترحيله إلى بلد محكوم عليه فيها بالإعدام.

 

وعلم داك في أحد مراكز الاحتجاز قريبا من مطار نيروبي من ضابط شرطة كيني رفيع المستوى أن عملية اختطافه جاءت بناء على اتفاق بين رئيسي كينيا وجنوب السودان. وأكد له الضابط بأنه “لا توجد طريقة لمساعدته.”  بحسب ما نقلت وكالة أسوشيتد برس.

 

وأشارت الوكالة إلى أن “داك” كان  الناطق الرسمي وأحد أكثر الزعماء ثقة في زعيم المعارضة رياك ماشار ، وقد فر إلى كينيا بعد فترة وجيزة من بدء الحرب الأهلية في أواخر عام 2013.

 

وقال داك أن لحظة اختطافه، أعلمته السلطات الكينية أن ترحيله من كينيا جاء بسبب تصريح له يدعم إقالة قائد القوة الكينية لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب السودان. وكان هذا بعد الانتقادات الحادة التي وجهت للأمم المتحدة كونها لم تقم بحماية مجمع فنادق تيراين الذي تعرض لهجوم دموي في جنوب السودان في شهر  يوليو / تموز 2016.

 

وبحسب داك، فقد قاوم القوات الكينية أثناء اختطافه ولكنها أركبته بالقوة للطائرة، كما توسل مضيفة الطيران في نيروبي لتقديم المساعدة له.

 

وقال داك: “لقد قلت لها أنا الناطق الرسمي لزعيم المتمردين الذي يقاتل تلك الحكومة وهؤلاء الناس اختطفوني”. لكن استغاثته كانت بدون جدوى لأن ضباط الأمن الوطني الكيني أجبروه على ركوب الطائرة بعد تهديده بتكبيل يديه إن واجهوا أي مقاومة منه. واقتنع داك في الأخير ألا جدوى من مقاومتهم.

 

وأكد داك بأن الاتصالات بنائب رئيس كينيا والمدعي العام لم تفضي لشيء رغم أنها تمت من قبل زعيم المعارضة رياك ماشار لأجل إطلاق سراحه.

 

إنكار حكومي

من جهته لم يعلق إريك كيراثي المتحدث باسم الحكومة الكينية على قضية اختطاف داك لكنه اكتفى بالقول أن كينيا ملتزمة بالحرص على “تسريع عملية السلام” في جنوب السودان.

 

وقالت وكالة أسوشيتد برس بأن حكومة جنوب السودان – من جانبها- نفت أي تعاون مع كينيا في هذه القضية.

 

وبحسب أتيني ويك أتيني المتحدث باسم حكومة جنوب السودان، فقد اعتقل داك بعد وصوله لجنوب السودان، بسبب نشاطه على موقع فيسبوك  تزامنا مع القتال الذي اندلع في العاصمة  جوبا ، في يوليو / تموز 2016 .

 

وأوضح أتيني بأن داك كان قد كتب في حسابه على فيسبوك بأن الرئيس سالفا كير حاول اعتقال ماشار ، نائبه في ذلك الوقت ، في القصر الرئاسي.

 

عامان تحت الأرض

وبعد اختطافه وتسليمه لجنوب السودان، اعتقل داك لمدة عامين، بما فيها 10 أشهر في حبس إنفرادي في سجن للأمن القومي. وقال داك بأنه بقي معزولا في زنزانة صغيرة مظلمة طيلة ساعات اليوم، وأنه خسر أكثر من 20 كغ بسبب سوء التغذية.

 

وبعد خمسة عشر شهرا من فترة سجنه ، اتهم داك بالخيانة وحكم عليه بالإعدام.

 

لكن اتفاق السلام أنقذه بعد عامين من يوم اختطافه في نيروبي وتم إطلاق سراحه مع زميل آخر له في المعارضة, وكان ذلك بعد مطالبة “مشار” بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وفقا لشروط اتفاق السلام ، قبل أن يعود إلى جنوب السودان.

 

ليست حالة الاختطاف الوحيدة

ومع ذلك ، أوضحت الوكالة بأنه لا يزال العديد من السجناء السياسيين وراء القضبان من دون تهم محددة.

 

كما اختفى معارضان آخران في كينيا، وهما المحامي دونغ صامويل لواك وناقد الحكومة أجري ازبون إدري من نيروبي قبل عامين.

 

وقالت هيومن رايتس ووتش الشهر الماضي إن كليهما شوهد آخر مرة في سجن للأمن القومي بجنوب السودان في إشارة إلى اختطافهما أيضا من قبل السلطات الكينية كما جرى اختطاف داك.

 

وقالت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان إنها لا تزال تشعر بقلق عميق إزاء “تواطؤ حكومات كينيا وجنوب السودان” في عملية اختطاف ونقل داك بشكل غير قانوني ، حسبما صرحت الرئيسة ياسمين سوكا لوكالة أسوشييتد برس الشهر الماضي.

 

وينتظر حاليا داك البالغ من العمر 45 سنة، في العاصمة السودانية الخرطوم، أن يتم لم شمله في السويد مع أسرته وأطفاله الخمس الذين لم يلتقيهم منذ سنوات.

 

كما قرر أن يأخذ عطلة من العمل السياسي، بعد التجربة المروعة التي عاشها منذ اختطافه من نيروبي.

 

وجه آخر من فساد الحكومة الكينية

وقد سلط تقرير وكالة أسوشييتد برس بعرضه لقصة داك الضوء على الوجه الآخر الذي تخفيه الحكومة الكينية في ممارسة عمليات الاختطاف خارج إطار القانون، حيث تواترت القصص عن قيام هذه الحكومة باختطاف العديد من المسلمين وتسليمهم لحكومات دول دون كشف لأسباب اللجوء لطريقة الاختطاف أو تبرير هذه العمليات التي تتم خلف الستار وخارج إطار القانون.

 

وإن كان التواصل مع داك النصراني سهلا نظرا لاهتمام المؤسسات الحقوقية بقضيته فإن العشرات من المسلمين اليوم قد غيّبوا في سجون الحكومات الدكتاتورية بعد اختطافهم من قبل حكومة كينيا وتسليمهم في الكواليس بصمت وحرمانهم من حقوقهم القانونية، كما حصل مع الأسرى المسلمين في سجون أوغندا.

 

ويبقى السؤال الذي يطرحه الضمير الإنساني، من يقف في وجه الممارسات الإجرامية للحكومات كحكومة كينيا؟ وكيف يمكن ملاحقة هذه الحكومات بتهم الاختطاف في حين أنها تمثل السلطة القضائية التي تحاسب المجرمين على الاختطاف – ظاهريا- وتتواطأ مع الحكومات الأخرى في ممارسة هذه الجرائم.

 

ويرى المراقبون أن هذا الإجرام له عواقب وتداعيات خطيرة تغذي التمرد على الحكومة الكينية وتشجع طريق العنف وتقوي صفوف المعارضة، وهو ما بدأت تعاني من تبعاته اليوم الحكومة الكينية التي تغرق في فساد إداري وسياسي ومالي وأيضا حقوقي وتواجه حربا طويلة الأمد مع حركة الشباب المجاهدين بعد دخول قواتها إلى الصومال المجاور والتي بفضل أنواع الفساد الذي تعاني منه هذه الحكومة تمكنت من توسيع نشاطها الجهادي في داخل الأراضي الكينية أين يشتكي الكثير من الكينين من ظلم الحكومة الكينية وإهمالها وفساد مؤسساتها.