قراءة في تقرير الأمم المتحدة عن إريتريا والصومال لعام 2018م تناقضات ومشاهد إجرام دولي
تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية
(شهادة) – قرر مجلس الأمن للأمم المتحدة بناءً علىتقرير فريق الرصد للصومال وإريتريا (SEMG)للعام الجاري 2018م، رفع العقوبات عن أسمرةوتجديد حظر الأسلحة المفروض على الصومال، مع تجديد الرفع الجزئي لحظر الأسلحة المفروض على القوات الأمنية الصومالية.
ورغم أن تقرير فريق الرصد وثّق العديد من مشاهد الإجرام الدولي والحكومي والانتهاكات لقرارات مجلس الأمن، إلا أن المجلس لم يصدر أي عقوبات بحق الحكومات والدول المتورطة في هذا الأجرام بل على العكس، حظيت الحكومة الصومالية الفاسدة بمزيد ترحيب واحتضان. وشدد – بدل عقابها لانتهاكاها قوانينه في حظر الأسلحة وفسادها المستشري – شدد على ضرورة دعم الجهود في سبيل تقويم أداء الحكومة الصومالية السيء لمواجهة حركة الشباب المجاهدين والتي وثّق التقرير بدوره درجة نجاحها وميول الشعب الصومالي لسلطتها الحاكمة هروبا من ظلم الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب. ما يعكس مشهد تناقض صارخ لشعارات الأمم المتحدة التي تنادي بالحرية والعدالة في حين تدعم باستمرار الإجرام الحكومي والدولي بما فيه الإجرام الإماراتي والأمريكي الموثّقين في تقرير الأمم المتحدة والذي لم يلقى الإنكار الذي يستوجبه من نظام دولي لا زال يُمعن في ظلم الشعب الصومالي بفرض الفاسدين عليه وحرمانه الحرية في تقرير مصيره بنفسه واختيار الحكم الذي يناسب معتقداته كشعب مسلم.
إريتريا
ويشمل رفع العقوبات على إريتريا،رفع الحظر عن الأسلحة والسفر وتجميد الأصول وكل العقوبات المحددة التي سبق وأن فُرضت على البلاد.
ويأتي هذا الرفع للعقوبات في استجابة لمطالب الحكومة الإريترية كشرط أساسي لإتمام اتفاقية المصالحة التي جمعت إثيوبيا وإريتريا مؤخرًا، وبطلب رسمي من إثيوبيا للأمم المتحدة يدعو لرفعها، حيث وقّع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي اتفاقية المصالحة في أسمرة في 9 تموز / يوليولوضع نهاية للنزاع الذي استمر لأكثر من 20 سنة بين البلدين المتجاورين ولتبدأ مرحلة جديدة من التغيرات الجيوسياسية في المنطقة بتحريض أمريكي.
وقد جاء قرار مجلس الأمن برفع العقوبات عن إريتريابالرغم من استمرار الصراع مع الجارة جيبوتي في التنازع على الأراضي الحدوديةوملف الأسرى، حيث لم تعترض جيبوتي على رفع العقوبات بشرط أن تستمر مراقبة القضايا العالقة بين الطرفين من قبل مجلس الأمن على أمل الوصول لحل سياسي يرضي جميع الأطراف على غرار اتفاقية المصالحة بين إرتيريا وإثيوبيا.
ويجدر الإشارة إلى أن السبب الرئيسي لفرض العقوبات على إريتريا كان اتهام حكومة أسمرة بتقديم الدعم لحركة الشباب المجاهدين ولكن للسنة الخامسة على التوالي من تحقيقاته، لم يتمكن فريق الرصد(SEMG)من العثور على أدلة قاطعة على أن إريتريا تقدم الدعم لحركة الشباب.
ودون ذكر للأسباب قرر مجلس الأمن إنهاء مهمة فريق الرصد الخاص بالصومال وإريتريا (SEMG)ووافق أعضاء المجلس على إنشاء فريق خبراء معني بالصومال بدلًا منه حتى 15 كانون الأول / ديسمبر 2019 م.
الفساد في الحكومة الصومالية
وكان أبرز ما سلط عليه الضوء تقرير فريق الرصد التابع للأمم المتحدة في الشأن الصومالي، درجة الفساد التي تعاني منها الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب والتي يعتمد عليها المجتمع الدولي في تنفيذ أجندته في الصومال موفرًا لها الدعم المتواصل رغم علمه بفسادها.
وجاء في التقرير أنالامتثال (من قبل الحكومة الصومالية) لإلزامات الأمم المتحدة بشأن الحظر الجزئي على الأسلحة في الصومال، كان ضعيفًا بشكل مستمر،خلال فترة رقابة فريق الرصدحيث لم يتم إخطار أي شحنة من الأسلحة و / أو الذخيرة وفقا لمقتضيات مجلس الأمن.
على مستوى الأسلحة والعتاد العسكري
وأشار التقرير إلى أن إدارة الأسلحة والذخائر ظلت ناقصة رغم محاولات الضبط من قبل مجلس الأمن، وأن سجلات التوزيع المدارة في مستودع”حلني” المركزي للأسلحة في مقديشو تفتقد إلى الدقة والاتساق إلى درجة لم يتمكن فيها فريق الرصد من تحديد أين ومتى ولماذا وكيف؟ تم تخصيص معظم الأسلحة والذخائر خلال النصف الأول من فترة رقابة الفريق.
كما اشتكى الفريق من القيود التي فرضتها الحكومة الصومالية على تحركاته والتي قلّصت من قدرته على إجراء تقييم فعال لإدارة الأسلحة والذخائر وإجراءات توزيعها بتجاهل الحكومة لإلزامات مجلس الأمن بضرورة تمكين الفريق من الوصول إلى محتويات الوثائق وتوثيقها بشكل كامل في مستودع”حلني”الرئيسيللأسلحة الذي لا يزال غير ملتزم بالمبادئ التوجيهية التقنية للذخيرة الدولية. وكذلك منعت الحكومة الفريق من الوصول لمراكز أخرى للأسلحة.
تسريبات الأسلحة
وتأتي هذه التجاهلات من قبل الحكومة الصومالية نظرا للإحراج الذي تسببه مراقبة فريق الرصد لدرجة امتثالها لقوانين مجلس الأمن بشأن الأسلحة التي تصلها من خلال قنوات الدعم الدولي، حيث جمع فريق الرصد أدلة على تسريب المعدات العسكرية، والأسلحة التي تم توثيق استلامها من قبل الحكومة الصومالية،إلى يد تجار الأسلحة في مقديشو وبيدوا.وتأتي هذه التسريبات واسعة النطاق من الأسلحة ليس فقط نتيجة بيع الجنود لها من الذين لم يحصلوا على رواتبهم ولكن أيضا لسلسلة الفساد التي وصلت إلى كبار المسؤولين وذوي الرتب العالية ضمن قوات الأمن الصومالية. ما يجعل من خطر استمرار التوزيع المسيَّس وتسريب الأسلحة -التي حصلت عليها الحكومة الصومالية من المجتمع الدولي- عالياً في غياب الانضباط والتنظيم المطلوب كحد أدنى في أي كيان أو سلطة حاكمة.
وقد أكد فريق الرصد حصوله على شهادات من تجار الأسلحة تؤكد حصولهم على الأسلحة من المخازن الحكومية بعد شرائها من كبار القادة والمسؤولين والجنود الحكوميين من بينهم ﻧـﺎﺋﺐ ﺭﺋـﻴﺲ ﻗـﻮﺍﺕ ﺍﻟـﺪﻓﺎﻉ ﺍﻟـﺴﺎﺑﻖ ، “ﻋﺒـﺪ الله علي عنود”.
وعلى غرار “عنود”، تأكد تورط العقيد “خليف أحمد حاشي أفلو”، قائد الكتيبة السابعة والثلاثين في مقديشو وأقيل من منصبه بعد أن كشف تحقيق للحكومة الصومالية في حادثة نهب معسكر “الجنرال غوردون”عن تورطه في تحويل وبيع ما بين 15 و 25 بندقية من طراز AK ونوعين من مدافع رشاشة خفيفة من طراز PK ولم يتم استرداد العتاد العسكري ، ورغم ذلك عُيِّن”أفلو” في وقت لاحق قائداً لكتيبة القطاع 12 وكأنه لم يتورط في هذا الفساد. وهذه أمثلة للاستدلال لا للحصر.
أسلحة أمريكية وسعودية وإماراتيةفي السوق السوداء
وفي إطار تتبع فريق الرصد لأنواع الأسلحة المهرّبة في الصومال كشف تقرير الفريق عن وجود أسلحة تعود ملكيتها للقوات السعودية والإماراتية، وهو أمر متوقع لكون اليمن الذي يعيش حربا يقودها التحالف السعودي الإماراتي، المصدر الرئيسي للأسلحة المهربة للصومال، ولكن ما لفت الانتباه في تقرير فريق الرصد هو العثور على أسلحة أمريكية، تم توثيقها في بوساسو. ولم تقدم الإدارة الأمريكية أي تفسير لتواجد أسلحتها في أيدي شبكات التهريب – غير المشروعة- للأسلحة. واكتفت بتجاهل مراسلات فريق الرصد على رغم تقديمه وثائق تبيّن أن الشركات المصنعة لهذه الأسلحة تؤكد ببيعها للولايات المتحدة الأمريكية كمستخدم أخير.
ما يدفع لمزيد من التساءلات حول الدور الأعمق الذي يلعبه الأمريكيون في الساحة الصومالية خلف ستار ما يُسمى “القانون الدولي”.
الفساد المالي
وبعد إبراز الفساد الحكومي على مستوى الأسلحة والعتاد العسكري، أثار التقرير قضية الفساد المالي الذي تعاني منه الحكومة الصومالية العاجزة بشكل فائق في معالجة الشواغل المتعلقة بالاختلاسات المرصودةحيث أكد الفريق تلقيه لعدة شهادات بشأن التملك غير المشروع في وزارات الموانئ والنقل البحري والنقل عموما والطيران المدني، والشؤون الدينية، فضلا عن إساءة استخدام أموال الإدارة الإقليمية في بنادير، واستمرار انعدام الشفافية فيما يتعلق بعقود واتفاقات الحكومة الصومالية، وتقارير عن إيرادات ونفقات كبيرة خارج الميزانية من جانب الحكومة.
وقد طلب فريق الرصد نسخا من البيانات المتعلقة بالحسابات ذات الصلة الموجودة في المصرف المركزي للصومالوﺳـﺠﻼت ﻧﻈـﻢ اﳌﻌﻠﻮﻣـﺎت اﻹدارﻳـﺔ اﳌﺎﻟﻴـﺔ. وإيضاحات بشأن الاتهامات المتعلقة بالنفقات الخارجة عن الميزانية من جانب الحكومة الصومالية. لكنه لم يحصل على أيّ من طلباته لتجاهل الحكومة لها.
وعلى سبيل المثال، تلقى فريق الرصد تقارير من عدة أعضاء حاليين في البرلمان تشير إلى أن جميع أعضائه تلقوا مدفوعات خارج نطاق الراتب، قدرها 5000 دولار من الحكومة الصومالية في أواخر مايو ، بعد تعيين رئيس البرلمان الجديد، “محمد مرشد عبد الرحمن” الموالي لقطر.
وتشير الأدلة التي جمعها فريق الرصد- بحسب التقرير- إلى أنه على الرغم من التغييرات العديدة في القيادة، فإن التملك غير المشروع بين كبار ضباط الجيش الصومالي لا يزال راسخًا وعقب إقالة “عبد الله معلم نور” في مايو 2017 ، تم تعيين محمد محمود حسين “غرابي”، رئيس قسم النقل بالجيش الصومالي السابق، رئيسًا جديدًا للوجستيات في الجيش الصوماليوتحت “غرابي”، ازدادت الوثائق المالية المزورة لحساب نفقات الجيش الصومالي. وبمزيد من التفصيل يوضح التقرير أنه في 7 آب / أغسطس 2018 ، قُدِّمت لفريق الرصدكميات كبيرة من الوثائق بهدف إثبات توزيع رواتب الجيش نقدًا لكل فرد من القوات. ولكن الوثائقأظهرت بصمات متطابقة جنبا إلى جنب مع أسماء الآلاف من المقاتلين من وحدات متعددة. وتُظهر وثائق أخرى توقيعات متعددة جميعها موقعة بوضوح من نفس اليد. في غضون ذلك ، استمر فريقالرصدفي تلقي شهادات تشير إلى أن العديد من الميليشياتالصومالية لم يتلقوا رواتبهم، وفي وقت بقيت فيه أرقام سحوبات الرواتب المسجلة باسم قوات الجيش الصومالي – من مقر لجنة النظم الأساسية – بقيت متضخمة.
بصمات متطابقة وتواقيع مماثلة على وثائق تحاول إثبات إيصال رواتب الجيش الصومالي لكل فرد من القوات.
تحقيقات فريق الرصد كشفت أيضا عن عمق الفساد في النظام التمويني للجيش، وسرقة المواد الغذائية المخصصة للجنود من قبل القيادات وتدخل القبلية للاستفادة من صلاحيات القيادة في مجال احتكار مشاريع التجارة وجني الأرباح.
وكذلك وصلت يد الاختلاس الحكومية إلى قطاع الوقود والنفط للمركبات العسكرية. ونفقات الخدمة العامة للجيش، كالنفقات الطبية والسفر والقرطاسية وصيانة المركبات وغيره.
ومع كل هذا الفساد في الهيكل العسكري والمالي للحكومة الصومالية، لا تزال الأخيرة تحظى بدعم دولي متواصل يذهب لجيوب الفاسدين بطرق مفضوحة.
مقارنة مع نظام حركة الشباب المالي
وفي مقارنة بين النظام المالي لحركة الشباب المجاهدين ونظام الحكومة الصومالية يخلص التقرير إلى تفوق حركة الشباب في إدارتها المالية بصفتها مركزية ومنظمة، وكونها تقدم نظاما منضبطا قابلا للمساءلة ويمكن التنبأ به. بما في ذلك تقديم الإيصالات لتوثيق عمليات الدفع، كما لا تفرض الحركة ضرائب مضاعفة على السائقين الذين دفعوا في مكان آخر.ونتيجة لذلك، يفضل السائقون التجار التنقل عبر نقاط التفتيش التي تسيطر عليها حركة الشباب المجاهدين، بدلاً من مناطق القوات الصومالية أو الإدارات الإقليمية التي يتعرضون فيها للنهب والسرقة ولا يضمنون مرورهم ولا مرور حمولاتهم وبضائعهم وممتلكاتهم بسلام وأمن كما في الولايات الإسلامية.
ويجدر الإشارة إلى أن التقرير يشير إلى الزكاة كضريبة جائرة بحق الشعب الصومالي كون الأمم المتحدة لا تعترف بالنظام الإسلامي في التشريع، ولا يسلط الضوء إلا على جمعها من الشعب الصومالي من قبل حركة الشباب متجاهلا عمليات إعادة توزيعها بين السكان واستفادة الفئات المستحقة لها.
ورغم التباين الصارخ بين نهج الحكومة المدعومة من الغرب وحركة الشباب المجاهدين في في الإدارة المالية لنظاميهما، يحاول باستمرار تقرير الأمم المتحدة تصوير الحكومة الفاسدة التي يشهد فريقه للرصد على فسادها مع سبق الإصرار والترصد، كطرف يجب دعمه في مشهد الصراع في الصومال ويصر على تصوير حركة الشباب المجاهدين كطرف وجبت محاربته بدعم الطرف الفاسد. في إصرار على محاربة الصعود الإسلامي الذي تشهده المنطقة وإن كان مفضلا من قبل الشعب، وبأي وسيلة وإن كانت فاسدة.
حركة الشباب تخترق الاستخبارات الصومالية وتستعين بالزي الرسمي للقوات
ولفت التقرير الانتباه لقدرات حركة الشباب الاستخباراتية الفائقة التي مكنت الحركة من اختراق الجهاز الاستخباراتي للحكومة الصومالية وأيضا من الوصول للزيّ الرسمي الذي توزعه القوى الدولية على قوات الأمن الصومالي، ليظهر به لاحقا جنود حركة الشباب المجاهدين في عملياتهم العسكرية أو في احتفالاتهم في الأعياد الإسلامية.
وتلقى فريق الرصد أيضا شكاوى تتعلق بعناصر داخل الوكالة الصومالية للاستخبارات والأمن ومشاركتها في ترهيب الخصوم السياسيين والاغتيالات في مقديشو خارج نطاق القضاء.
وقد كانت وكالة الاستخبارات والأمن الصومالية – بحسب فريق الرصد – تعاني من الاقتتال الداخلي والشكاوى من انتماء القيادة إلى حركة الشباب المجاهدين،وقوّضت الانقسامات الداخلية بشكل خطير قدرة الوكالة على جمع المعلومات الاستخباراتية والإسهام في حفظ مراكز الحكومة ومؤسساتها في مقديشو من هجمات حركة الشباب المباغتة.وجاء في التقرير: ” يمثل الاختراق الواسع النطاق للوكالة من قبل حركة الشباب تهديدا كبيرا للسلم والأمن الإقليميين”.
وبالنظر للدعم الدولي الذي تحظى به الأجهزة الأمنية للحكومة الصومالية من تمويل وتدريب ومساندة لوجستية، يحسب كإنجاز مثير لحركة الشباب قدرتها في اختراق أعلى سلطة استخباراتية للحكومة الصومالية المدعومة من الغرب وإضعافها وتفكيك خططها من الداخل.
الترحيل القسري للاجئينصورة أخرى من الظلم الحكومي
وفي وقت تغرق فيه المؤسسات الحكومية في مستنقع الفساد توجه الحكومة ميليشياتها ضد اللاجئين العزّل لترحيلهم بقوة السلاح، حيث سلط التقرير الضوء على عمليات الترحيل القسري التي نفذتها الحكومة الصومالية وكان أبرزها قيام الميليشيات الحكومية ﰲ ﻛﺎﻧﻮﻥ ﺍﻷﻭﻝ / ﺩﻳﺴﻤﱪ 2017 ﻭﻛﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺜﺎﱐ / ﻳﻨﺎﻳﺮ 2018، باستخدام ﺟﺮﺍﻓﺎﺕ ﻹزالة ﻋﺪﺓ ﻣﺨﻴﻤﺎﺕ ﻟﻠﻤﺸﺮﺩﻳﻦ ﺩﺍﺧﻠﻴًا ﰲ ﺣﻲ “كحدا” ﰲ ﻣﻘﺪﻳﺸﻮ ما ﺃﺳﻔﺮ ﻋﻦ ﺇﺧﻼﺀ ﻣﺎ ﻳﻘﺪﺭ ﺑ 3000 ﺃﺳﺮﺓ ﺇﺟﺒﺎﺭﻳًﺎوقتل ثلاثة مدنيين في “سينكا دير”، على الطريق من مقديشو إلى أفغوي، عندما فتحت الميليشيات الحكومية النار على المتظاهرين المحتجين.
ترحيلات قسرية أخرى للاجئين تم رصدها في إدارة بنوتلاند شمال البلاد.
الأزمة الخليجية
وفي تقريره السابق لعام 2017، أبرز فريق الرصد تأثير الأزمة الدبلوماسية الخليجية على الصومال، وتزايد الخلاف بين المسؤولين في الحكومة والإدارات الإقليمية حول اتخاذ موقف محايد أو الانضمام لطرف في الأزمة على حساب الآخر،واستمرت تداعيات هذه الأزمة خلال العام الجاري. بعد إعلان قادة العديد من الإدارات الإقليمية في أواخر عام 2017 ، دعمهم لتحالف الإمارات والسعودية، في حين أثارت المعارضة وقادة بعض الإداراتالإقليميةتساءلاتحول حقيقة حياد الحكومة الصومالية المعلن عنه، مع تأكيد مصادر متعددة علىحصول الحكومة للدعم المالي من قطر.
ورغم ذلك أصر المسؤولون القطريون في اجتماعات مع فريق الرصد في الدوحة ونيويورك ومقديشو في 18 فبراير و 17 أبريل و 25 يوليو 2018 ، على إنكار أي دعم من قطر للصومال.
ويؤكد التقرير أن الأزمة الدبلوماسية الخليجية لا تزال مستمرة في التأثير في المنطقة، حيث تمثل الصومال ساحة معركة بالوكالة للمصالح والنفوذ المتنافس، خاصة من الإمارات وقطر . وبينما استمرت الأزمة في تفاقم التوترات القائمة من قبل بين الحكومة الصومالية والإدارات الإقليمية ، فإن أصحاب المصلحة السياسيين في الصومال برزوا بشكل متزايد مع استغلال الموارد السياسية والاقتصادية من جانب الرعاة الخليجيين.
القاعدة العسكرية الإماراتية
وفي إطار رصده لأي انتهاك لقانون الحظر المطبق على الأسلحة في الصومال، وجه التقرير الانتباه إلى القاعدة الإماراتية العسكرية في بربرة، والتي تشكل انتهاكا صارخا لحظر الأسلحة حيث لفتت وكالة رويترز الأنظار إلى أن الإمارات ستقوم بتدريب قوات صوماليلاند وأن معدات عسكرية يتم نقلها للقاعدة. ومع ذلك لم يطالب التقرير بأي إجراء ضد الإمارات رغم ثبوت انتهاكها لقانون الحظر عن طريق الصور التي أخذت للقاعدة بالأقمار الصناعية، ورغم الرفض المعلن للحكومة الصومالية لهذا المشروع برفع لائحة تنديد رسمية للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية عقب الإعلان عن مشروع القاعدة تتهم فيها الإمارات بانتهاك سيادة الصومال. ومع ذلك تواصل الإمارات تمددها العسكري في الشمال الصومالي بلا مبالاة.
مطار بربرة والقاعدة العسكرية تحت الإنشاء في 21 سبتمبر 2018
وقد تصاعدت التوترات بين الحكومة الصومالية والإمارات في عدة مناسبات كان آخرها انسحاب القوات الإماراتية في 23 نيسان / أبريل، من معسكر تدريب “الجنرال غوردون” في مقديشو حيث كانت تدرب مئات من القوات الصومالية، من بينهم حوالي 200 فرد من القوات الخاصة.وأدى هذا الانسحاب إلى اندلاع أعمال عنف في المدينة ، حيث قامت القوات الموجودة في المخيم بنهب المبنى والهروب.
قتل الأطفال والمدنيين
ووثّق فريق الرصد معلومات حول احتجاز سلطات بونتلاند وتعذيبها وإعدامها لأطفال بأحكام قضائية صدرت من محاكم عسكرية دون مراجعة أو استئناف. وبعض الأطفال حكم عليهم بالسجن مدى الحياة وآخرين قتلوا رميًا بالرصاص ولم يسمح لأهاليهم بالوصول إلى أماكن دفنهم كما رفضت إدارة بونتلاد التجاوب مع أي استفسارات بخصوص هذه “الانتهاكات” لحقوق الإنسان وتحديدا الأطفال.
وكذلك قتل أطفال في 25 آب / أغسطس 2017، خلال الهجوم المشترك الذي نفذته الميليشيات الصوماليةبالقرب من قرية بريري، بولاية شبيلى السفلى، بدعم من القوات الأمريكية، حيث قتل مدنيين بينهم أطفال.
وتفيد التقارير أن الغارات الجوية المستمرة والهجمات البرية من جانب الولايات المتحدة والدول الأخرى أسفرت عن سقوط ﺍﻟﻀﺤﺎﻳﺎ ﰲ ﺻﻔﻮﻑ ﺍﳌﺪﻧﻴﲔ فما بين 1 أيلول / سبتمبر 2017 و 31 آب / أغسطس 2018 ، أجرت الولايات المتحدة 31 غارة جوية معترف بها،ووثّق مكتب الصحافة الاستقصائية ، وهو منظمة تراقب الغارات الجوية الأمريكية في العالم، ما يصل إلى خمسة قتلى مدنيين سقطوا نتيجة هذه الغارات الجوية خلال هذه الفترة.
كما سجل فريق حقوق الإنسان والحماية التابع لفريق الرصد 12 حادثا من الإصابات في صفوف المدنيين على يد قوات بعثة الاتحاد الأفريقي “أميصوم” في الفترة ما بين 1 أيلول / سبتمبر 2017 و 31 آب / أغسطس 2018. وشملت الحوادث مقتل مدنيين نتيجة القصف أو إطلاق النار المباشر.
ولا تدخل هذه الجرائم التي يوثقها تقرير الأمم المتحدة – ويعترف بها دون غيرها – في إطار معاقبة فاعليها وتصنيفهم فيما يسمى “الإرهاب” أو تعويض أسر الضحايا، بل يتم الاكتفاء بالإشارة إليها بقدر من التهوين والتشكيك في درجة مصداقيتها رغم حجم الأدلة على ثبوتها.
عملية بريري تكشف كذب الولايات المتحدة الأمريكية
ويظهر التقرير درجة استهانة الأمريكيين بحياة الصوماليين المدنيين حين سلط التقرير الضوء على الهجوم المشترك بين الميليشيات الصومالية والقوات الأمريكية الذي شنته على مزرعة بالقرب من قرية باري 25 آب / أغسطس 2017 وأسفر عن مقتل عشرة مدنيين بينهم طفلين. وقدتم العثور في مسرح الهجومعلى أغلفة رصاص بحجم 56 × 45 ملم وهو ما يتفق مع الذخيرة الأمريكية.
ويستند تحقيقفريق الرصدإلى أدلة من الحقائق التي تم جمعها من موقع الهجوم، وتقارير منظمة دولية داخلية، وتقرير محلي للمنظمات غير الحكومية، وبيانات رسمية صادرة عن الحكومة الصوماليةوالولايات المتحدة.
كما أجرى الفريق مقابلات مع أسر الضحايا ، وممثلي المجتمع المدني ، وأفراد الأمن الصوماليين على علم بالحدث ، وموظفي المنظمات الدولية ، وموظفي المنظمات غير الحكومية المحلية العاملة في منطقة شبيلى السفلى.وأخيرا ، استعرض فريق الرصد صورا لأغلفة الذخيرة التي ورد أن أحد أقارب ضحية – قتلت في مكان الحادث- قام بجمعها.
وتشير الصور التي راجعها فريقالرصدإلى أن أيًّا من القتلى لم يكن يرتدي الزيّ العسكري ، ولم يتم العثور على أسلحة في المنطقة المجاورة.وأبلغ أفراد عائلات الضحايا فريق الرصد بأن القتلى ليسوا مقاتلين. وبالإضافة إلى ذلك ، أفادت وثيقة سرية لمنظمة دولية بأن أربعة على الأقل من القتلى مدنيين، كما أكدت مصادر أخرى من المنظمات الدولية أن القتلى مدنيين وكذلك أعلنت صحيفة الجارديان البريطانية بناءً على تحقيقاتها الميدانية في نتائج الهجوم.
من جهته أكد التقرير بأن المنظمة الوحيدة التي زعمت أن القتلى هم من حركة الشباب المجاهدين كانت منظمة مختلقة لا أساس لها في الوجود أقيمت باسم إدارة غرب البلاد، واستند عليها الأمريكيون في التملص من جريمتهم.
وأضاف التقرير لقائمة الأدلة على التورط الأمريكي في جريمة قتل المدنيين في الهجوم، البيان الصحفي الذي صدر في نفس يوم الحادث، عن وزارة الإعلام للقوات المسلحة الإثيوبية مفاده أن هجومًا قادته السلطات الصومالية وقع في بريري، لكن القتلى كانوا من مقاتلي الشباب. ثم ظهر تصحيح بعد يوم واحد ببيان آخر للاعتراف بأن الضحايا كانوا بالفعل مدنيين.
ومع ذلك يستمر فريق الرصد في عرض الحالة بتردد في تجريم الأمريكيين رغم ثبوت الأدلة المؤكدة على ذلك.
أغلفة لذخائر من عيار 5.56 × 45 ملم عثر عليهافي موقع حادث بريري ، عليها علامات تثبت أنها أمريكية.
وبحسب التقرير، في 25 أغسطس 2017، اعترفت قيادة الولايات المتحدة في إفريقيا(AFRICOM) بأن القوات الأمريكية قد دعمت العملية التي أجرتها الميليشيات الحكومية في القرية، وأكدت التزامها بالتحقيق في القضية بشأن مقتل مدنيين في الهجوم.
ولكن ﻓﻲ 29 نوفمبر 2017 ، أﺻدرت أفريكوم بيانا صحفيا ثانيًا أعلن عن تقييم شامل للحادث قد تم إجراءه وأن الإصابات الوحيدة “هي إصابات المقاتلين الأعداء المسلحين”. بما في ذلك الطفلين الذين صورّت عدسات فريق الرصد جثتيهما.
ثم ليكشف التقرير درجة الاضطراب في الرواية الأمريكية، وفي شهادة أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب في 6 مارس 2018، ذكر الجنرال توماس د. والدهاوزر ، قائد أفريكوم ، أن القوات الأمريكية “لم تكن متورطة في القتال المباشر ” بينما علق فريق الرصد بقول:”يبدو أن شهادة الجنرال والدهاوزر تتعارض مع تصريح سابق أدلى به متحدث باسم أفريكوم ، والذي أشار إلى أن القوات الأمريكية شاركت بفعالية في القتال” حيث قال: “ناورت القوة المناهضة لطرد الجيش الصومالي ، وظهرت بالقرب من المستشارين الأمريكيين، الذين ظلوا في المحيط وقد تصرفت كل من القوات الأمريكية والصومالية دفاعًا عن النفس، مما أدى إلى مقتل سبعة من القوى المعارضة “. وهي القوى التي أكد تحقيق فريق الرصد أنها لم تكن مسلّحة ولم تكن تلبس زيّا عسكريا ويشهد الأهالي بأنهم مجرد مزارعين من بينهم طفلين.
ولفهم ما وراء هذا التناقض الصريح من قبل القيادة الأمريكية، قام فريق الرصد في 30 يوليو 2018، بإرسال رسائل إلى الإدراة الأمريكيةللمطالبةبتفاصيل التقييم الذي أجرتهأفريكوم، بالإضافة إلى شرحأسباب تواجد أغلفة للرصاص بمقاس 5.5645×ملم الأمريكية في مسرح الجريمة ، ولكنالإدارة الأمريكية تجاهلت مراسلات فريق الرصد.
ويسلط التقرير الضوء في مشهد التدخل الأمريكي وقتله للمدنيين دون مبالاة على ضرورة الانتباه من قبل الأمريكيين لما قد تثيره مشاعر الاستياء والغضب منالشعب الصومالي المسلم الذي ينظر للهجوم الأمريكي وقتل المدنيين كعدوان من قوى أجنبية محتلة غير مرحب بها. وهو ما يتفق تماما ورواية حركة الشباب لقصة الصراعفي البلاد. ويخشى فريق الرصد أن تحظى الحركة بمزيد دعم من الشعب الصومالي المستاء من التعديات الأمريكية التي لا تزال الإدارة الأمريكية مصرة على إنكارها رغم ثبوت تورطها فيها لدى الصوماليين على أقل تقدير.
ثم بالإشارة إلى أنهاليست العملية العسكرية الأمريكية الوحيدة الفاشلة في الصومال التي أثارت الجدل يذكر التقرير تاريخ 28أيلول / سبتمبر 2016 ، الذي بحسب فريق الرصد، بدا فيه أن القوات الأمريكية تم تضليلها من خلال المعلومات الاستخباراتية التي قدمتها قوات بونتلاند لتنفيذ غارة جوية في محيط جالكعيو وسط الصومال أسفرت عن مقتل 10 من أفراد قوات الأمن في جالمدغ.
تجارة الفحم رغم الحظر مستمرة تحت غطاء حكومي
لقد قدم التقرير عرضا طويلا لتفاصيل انتهاك الحظر على تجارة الفحم النباتي والتي أثبت فريق الرصد أنها مستمرة تحت إدارة حكومات وشبكة إجرام وتسهيلات تنطلق من ميناء كيسمايو الذي يقع تحت حماية قوات أميصوم، مشيرا إلى عدم تعاون الأخيرة مع فريق الرصد للسماح له بإجراء مزيد من التحقيقات ومقدما صورا بالقمر الصناعي توثّق عمليات تهريب الفحم من ميناء كيسمايو – الذي يقع تحت سيطرة أميصوم – باتجاه الموانئ الدولية الأخرى بما فيها الإمارت وإيران.
خلاصة التقرير
وخلص التقرير إلى أن حركة الشباب وعلى الرغم من الجهود المستمرة التي تبذلها القوات الدولية للقضاء على قيادتها، ولا سيما من خلال استخدام الضربات الجوية، فإنهالا تزال قوية ولا تزال قدرتها على شن هجمات معقدة في الصوماللم تتأثر.
وأن نظام الحركة المالي مركزي ومنظم ويعكس قوة في الأداء وحفظ للحقوق، تفتقر إليهما الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب، وهذا ما يفسر جزئيا استمرار حركة الشباب في العمل كحكومة ظلّ في مناطق لم تعد تسيطر عليها بشكل مباشر فضلا عن المناطق الشاسعة التي لا تزال تسيطر عليها وتطبق فيها الشريعة الإسلامية.
وتبقى الأسئلة الجديرة بالطرح بعد توثيق حجم الفساد الذي تتخبط فيه الحكومة الصومالية وإداراتها، ومدى النجاح الذي تتميز به حركة الشباب المجاهدين في إدارة منظوماتها التي تلاقيالتفضيل من الشعب الصومالي، إلى متى يحاول المجتمع الدولي فرض الفاسدين على الصومال بزيادة دعم عسكري ومادي وسياسي رغم توثيق هذا الفساد في جميع التقارير الرقابية والصحفية، وإلى متى يستمر إجرام القوى الكبرى كالولايات المتحدة التي تشارك بقواتها وأسلحتها وجنودها في تعميق الصراع وقتل المدنيينبلا مبالاة في الصومال وبدون حساب، أو الإمارات التي تتمدد عسكريا وتنهب ثروات الصومال تحت أعين قوات أميصوم والأمم المتحدة بلا عقاب.
وإلى متى يستمر تبشيع كل حكم إسلامي تطبقه حركة الشباب المجاهدين بنص الشريعة الإسلامية بوصفه حكما بربريا ودمويا في حين يغض الطرف عن العدوان والاحتلال المقنن والجرائم التي يفرضها التحالف الصليبي على الصومال المسلم وفق معايير النظام الدولي التي تفضل الفاسد على العادل بهدف إجهاض أي صعود إسلامي يتقوى فيه المسلمون ويتخلصون به من أي تبعية للغرب.
والإجابة عن هذه الأسئلة لا تقدمها التقارير الصادرة من الأمم المتحدة بل تجيب عليها الشعوب التي استيقظت على وقع تناقضات هذه الأمم المتحدة ومشاهد الإجرام الدولي المدعوم منها.