سد “ستيجلر جورج” في تنزانيا من مشروع واعد إلى”ورطة” كبيرة في مصر .. وخبراء: السيسي يغرق البلاد

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

بعد توقيع  تحالف شركتي “المقاولون العرب” و”السويدي إليكتريك” على عقد بناء سد “ستيجلر جورج” الضخم بتنزانيا، بتشجيع وإشراف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، شكك خبراء السدود في قدرة أكبر شركة مقاولات مصرية من إتمام العمل على هذه المشروع.

 

وقد وقّعت الشركتان مع الجانب التنزاني في تشرين الأول/ أكتوبر 2018 على عقد تنفيذ سد “ستيجلر جورج” بتنزانيا على نهر روفيجي، على أن يصل ارتفاع السد إلى 130 مترا وبطاقة توليد للكهرباء تصل إلى 2.1 جيجاوات وبتكلفة 3.6 مليارات دولار.

 

ورغم جو الترحيب والفرحة بتوقيع العقد، وحجم الوعود التي بعث بها حفل التوقيع وصلت لحد التخفيف من هاجس سد النهضة في إثيوبيا. يقول الخبراء في بناء السدود أن السيسي وضع أهم شركة مصرية وطنية بمجال المقاولات في مأزق كبير من أجل إرضاء بعض دول إفريقيا. ذلك أن تكلفة المشروع الذي تم التورط في توقيع عقده، لن تكون أقل من 5 مليارات دولار بالنظر لمواصفات السد، وبعض الخبراء اقترح أنها أكثر من 6.5 مليارات دولار كتكاليف إنشائية فقط دون الأخذ بالإعتبار الغرامات المتوقعة. في حين دخلت الشركة المصرية بـ3.6 مليار دولار فقط لإنشاء السد.

 

ويأتي تشكيك الخبراء تحديدًا في قدرة الشركة الحكومية على بناء سد “ستيجلر جورج”  بسبب سوء تقيم المسؤولين لحجم التكاليف التي ترافق مراحل البناء، وسوء تقييمهم لقدرة الشركة على إنجازه بخبرة قاصرة في هذا الميدان.

 

ويبدو أن مصر سارعت  في السباق على مناقصة المشروع بعرض أقل تكلفة دون النظر في هذين الشرطين المهمين لإنجاز مشروع بمثل حجم السد التنزاني.

 

ويجدر الإشارة إلى أن الشركة المصرية فازت بعقد بناء السد بعد تقديمها عرضا ماليًا هو الأقل بالمقارنة مع الشركات العالمية الأخرى المنافسة بما فيها الشركات الصينية والهندية والتركية، وقد بلغ عدد هذه الشركات 70 شركة عالمية لم تتمكن من تقديم عرض يهبط للتكلفة التي عرضتها الشركة المصرية.

 

ويرى الخبراء أن الهدف من تقديم أقل سعر كان تحقيق حضور سياسي واقتصادي لمصر في القارة السمراء. ومع ذلك لم يقدم السيسي حين قال عن السد الجديد في تنزانيا أنه فخر لمصر، لم يقدم أي تقدير لحجم الأرباح التي يمكن لمصر أن تجنيها من الدخول في مثل هذه الصفقات.

 

صفقة خاسرة وليست واعدة

كما يرى الخبراء أن صفقة المشروع التي تم إرساء المناقصة عليها بمبلغ 3.6 مليارات هي صفقة خاسرة وليست واعدة كما روّج له الإعلام المصري، ذلك أن الدخول في المنافسة تم بدون دراسة وافية لمتطلبات المشروع والقدرة على الوفاء بشروطه، بل يدفعه الرغبة في الفوز بتقديم أقل سعر وحسب، وفيما اعتبره بعض الخبراء “ورطة”، اعتبره آخرون “فخ”.

 

وضرب الخبراء مثلا بالشركة البرازيلية التي بقيت في مفاوضات مع تنزانيا لمدة 3 سنوات لإنشاء 3 سدود على نهر روفيجي، ولكنها مفاوضات باءت في الأخير بالفشل لعدم الوصول لاتفاق يتناسب وتكلفة المشروع وعدم وجود سيولة مادية لدى الحكومة التنزانية لبناء السد.

 

مع العلم أن البرازيل لديها أهم شركة لبناء السدود في أمريكا الجنوبية، التي قامت ببناء أكثر من 70 سدًا على مدار الـ20 عامًا الماضية. وهي خبرة تفتقدها الشركة المصرية.

 

ويزيد من خطورة الورطة، أن المناقصة التي رست على 3.6 مليارات دولار – المبلغ الذي دخلت الشركة المصرية به المسابقة- تم تخفيض قيمته لـ 2.9 مليار فقط عند توقيع العقد.

 

إضافة إلى تعديل تنزانيا لمواصفات السد من مواصفات خرسانة “مدكوكة” لـمواصفة “سد مقوس مسلح” . ويقول الخبراء أن المواصفات الأخيرة هي أغلى السدود الخرسانية وأعقدها في التنفيذ.

 

وبحسب الخبراء ستزيد تكلفة السد أكثر مما كان متوقعا لأكثر من 150%.

 

مقارنة مع سد مروى

وبالقياس على سد “مروى” الركامي بالسودان والذي تم بناءه قبل 15 عاما ، أي في  عام 2004، وكانت تكلفته نحو 2.945 مليار دولار.

 

يبيّن الخبراء أنه بنفس هذه التكلفة، وافقت مصر على بناء السد الجديد في تنزانيا ولكن بمواصفات السد الخرساني الأكثر تعقيدًا والأغلى ثمنًا، وبحجم طاقة إنتاجية للكهرباء تقارب الضعف وبتاريخ إنشاء حديث لإنجاز المشروع، هذا كله يدفع الخبراء للتساءل كيف يمكن أن تكون تكلفة السدين هي نفسها مع الفوارق في مواصفات السد وزمن الإنشاء.

 

كما سيحتاج المشروع لاستقدام نحو 5 آلاف عامل مصري لتنزانيا وما يكلفه ذلك من متطلبات معيشية وسفر وعلاج وتأمين لا بد أن تغطيها مصر.

 

ويجدر الإشارة إلى أن المشروع تم تسليمه وفق آلية “تسليم مفتاح” إلى الهيئة الهندسية للجيش المصري كمقاول رئيسي، علما بأن شركة المقاولون العرب هي التي دخلت للمناقصة الدولية بديلًا عن المقاول الرئيسي.


تحدي آخر وتوريط السيسي لمصر

وأشار الخبراء إلى تحدي أكبر أمام الشركة المصرية، وهو مدة تسليم المشروع في 36 شهرًا، فإن لم تتمكن الشركة من إنجاز هذا المشروع خلال هذه المدة وهو أمر متوقع جدًا بسبب تعقيدات البناء، فعلى مصر دفع غرامات التأخير.

 

وبالنظر في مدة بناء سد مروى الأقل تكلفة والأخف شروطا، والذي تم بناءه في 8 سنوات، فإن سد تنزانيا لابد أن يستغرق أكثر من 36 شهرا التي تم الاتفاق عليها. فكيف ستتمكن مصر من بناء سد “ستيجلر جورج” الضخم في مثل هذه المدة القصيرة؟

 

وتساءل أحد الخبراء: “هل أرسل السيسي المقاولون العرب لتنزانيا بدون دراسة جدوى ومخاطر؟ أم أنه مستعد لضخ قرابة 4 مليارات دولار من ميزانية مصر لإدخال البهجة على الشعب التنزاني؟”.

 

في حين تساءل آخر: “هل لدى “المقاولون العرب” خبرة بناء السدود؟ وكم سدا ركاميا بارتفاع 134 مترا بنته أي شركة مصرية على مدار الخمسين عاما الماضي؟”

 

وخلص خبير آخر إلى أن قرار السيسي بإرسال شركة المقاولون العرب (غير المتخصصة) لبناء سد ضخم بارتفاع 134 مترا وطول 15000 متر في بيئة غابات وأرض ناعمة؛ هو يشبه تماما قرار أبو النكسة بإرسال الجيش المصري لليمن.

 

الصين توطد علاقاتها مع تنزانيا

في هذه الأثناء تتوغل الصين في البلد الواقع في شرق إفريقيا، حيث التقى هذا الأسبوع السكرتير العام للحزب الحاكم في تنزانيا باشيرو علي ، أحد كبار مسئولى الحزب الشيوعى الصينى تشين تشي في العاصمة الصينية بكين.

 

ويسعى الطرفان التنزاني والصيني إلى العمل معًا لتعميق التعاون بين البلدين من أجل تحقيق المنفعة المتبادلة. بحسب تصريحات من الجانبين.

 

وقال مسؤول الحزب الشيوعي الصيني: “إن الصين تأمل أن يعمل الجانبان معًا للتخطيط وتشجيع التطوير المستمر للعلاقات بين الحزبين والبلدين “، وأضاف بأن العلاقات مع الحزب الحاكم في تنزانيا علاقات راسخة ، حيث يرجع تاريخها إلى ما قبل أربعين عامًا”.

 

هل السيسي يغرق البلاد؟

وبالنظر لتفاخر السيسي بالمشروع الجديد في تنزانيا، ثم حجم التناقض بين قدرات الشركة المكلفة بالمشروع وتكلفة المشروع الكاملة ، ثم لتكتم السلطات المصرية حول حقيقة أرباح مصر المرتقبة من هذا المشروع، تبقى تقييمات الخبراء تنذر بالخطر الذي يتربص بالاقتصاد المصري على يد رئيسها السيسي.

 

وقد وضع الرئيس المصري اليوم الشركة المتعاقدة مع تنزانيا أمام امتحان صعب جدًا، حيث عليها أن تتم بناء سد في مدة قياسية في حين قد تصل الحاجة لإتمام البناء لأكثر من 100 شهر، فضلا عن سعر تكلفة يفوق الـ 100- 150 في المئة، من السعر المفترض ابتداءً.

 

وتضاف إليه تكاليف غرامة التأخير التي سوف تضعها تنزانيا على كاهل المصريين.

 

ويجدر الإشارة إلى أن شركة سالييني قد كبّدت الحكومة الإثيوبية غرامة تصل إلى 400 مليون دولار، نتيجة تأخير بناء سد النهضة قرابة ستة أشهر بعد مقتل المدير التنفيذي.

 

كما يضاف على غرامة التأخير سعر الكهرباء التي كانت تنزانيا يمكن أن تولدها من هذا السد لو تم استكماله في 36 شهرا.

 

ويبدو أن السيسي يكرر نفس خطأ الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك من قبل، حيث تورط الأخير في بناء سد لأوغندا، على شرط أن تقوم الأخيرة بزيادة مدخلات بحيرة فيكتوريا، لزيادة ميزانية النيل الأبيض فتستفيد مصر من ذلك.

 

ولكن تنزانيا التي يسارع السيسي اليوم لتلبية حاجاتها، رفضت أن تصب مياهه داخل بحيرة فيكتوريا؛ خشية أن يغرق عددًا من القرى التنزانية على شاطئ البحيرة. وبهذا خرجت مصر بدون أي فائدة ترجى، وبقيت أوغندا المستفيد الوحيد من السد.

 

ويجدر التنبيه إلى أن الشركة الاستشارية المراقبة على تنفيذ مشروع السد التنزاني الجديد هي شركة الكهرباء الإثيوبية. أي أن هناك عنصرًا منافسا يدخل في بناء المشروع.

 

ولا شك في أن السيسي يغرق مصر في مشاريع دولية ليس للبلاد طاقة لها ولا سيولة تكفيها، ولن تقدر على جني الأرباح المرجوة منها ، وستظل البلاد وفق سياسة الرئيس المصري المتهورة، مديونة بلميارات الدولارات، وتتورط في مشاريع ضخمة لصالح رفاهية شعوب أخرى بدل رفاهية الشعب المصري.

 

في حين يبدو التوغل الصيني لداخل تنزانيا ينبأ بخسارة أخرى لطموحات مصر في الهيمنة على الحضور الدولي في تنزانيا. يظهر أن  السيسي يخسر اقتصاديا وسياسيا في ساحة يتسابق لأجل الهيمنة عليها كبريات الدول في العالم باقتصادات ضخمة. فهل يعقل السيسي هذه الحقيقة أم يصر على منافسة الكبار في ساحة يعلم يقينا أنه الخاسر فيها؟

 

وللأسف فإن الشعب المصري هو الخاسر الوحيد في كل هذه المشاريع المكلفة وغير المدروسة والتي تهدف فقط للدعاية والترويج لإنجازات “سيسية” لم تتحقق أبدًا ولم تحقق شيئا لمصر.