رئيسة وزراء بريطانيا والزيارة المتأخرة لإفريقيا
تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية
كينيا (شهادة)- شكلت زيارة رئيسة وزراء بريطانيا “تيريزا ماي” الأخيرة لبعض البلدان الإفريقية ومنها كينيا دلالة على جدية بريطانيا في تعميق دورها في القارة الإفريقية خاصة بعد شعور الخطر الذي رافق السياسات الأمريكية الترامبية الجديدة غير المطمئنة اتجاه أوروبا والتي تلوح بشعار “أمريكا أولا”.
وتعتبر هذه الزيارة الأولى لرئيس حكومة بريطاني على امتداد ثلاثين عاما، قدمت فيها “تيريزا ماي” الوعود المطمئنة للحكومات الإفريقية حول مستقبل العلاقات مع بريطانيا، فضلا عن الدعم المالي والعسكري للحكومة الكينية لمساندتها في حربها ضد حركة الشباب المجاهدين في الصومال وكذلك دعما لبقية الأطراف المنخرطة في هذا الصراع. وهي الزيارة التي وصفها بعض المراقبين بالمتأخرة نظرا لجو المنافسة الدولية على المصالح في القارة السمراء.
تطمينات بريطانية للأفارقة
زيارة رئيسة الوزراء البريطانية شملت أيضا جنوب إفريقيا ونجيريا. وختمت جولتها بالعاصمة الكينية نيروبي لتؤكد لحكومات هذه البلدان أن سياساتها لن تتغير بخروجها من الإتحاد الأوروبي وأن هذا الخروج لن يتسبب في أي تداعيات اقتصادية سلبية قد تضر بعلاقة البريطانيين مع الدول الإفريقية. وقد ظهر اهتمام تيريزا بالجانب الاقتصادي بوضوح حين صرحت قائلة في مؤتمر صحفي مع الرئيس الكيني أوهورو كينياتا: ” طموحنا أن نكون المستثمر رقم واحد من مجموعة السبع الكبرى في إفريقيا بحلول عام 2022″.
أهداف عسكرية
ويجدر الإشارة إلى أن بريطانيا تحتل مرتبة أكبر مستثمر أجنبي في كينيا. ويرى المراقبون أن زيارتها لكينيا جاءت من جهة لطمئنة الحكومة الكينية حول العلاقات التجارية بين البلدين بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وأيضا لتقديم الدعم العسكري للجيش الكيني في غزوه للصومال، حيث شمل برنامج الزيارة تدريبات عسكرية مشتركة بين القوات البريطانية والكينية. كان الهدف الأول منها التدريب على اكتشاف وتدمير العبوات الناسفة التي تعتبر الخطر الأول الذي يهدد الجنود الكينيين في حرب العصابات التي تشنها حركة الشباب المجاهدين عليهم سواء في التراب الصومالي أو في داخل المقاطعات الكينية والتي عجزت أمامها المعدات العسكرية الكينية والتكتيكات المضادة التي لجأت إليها قوات الاتحاد الإفريقي وعقدت لأجلها المؤتمرات المتخصصة.
وقد أعربت “تيريزا ماي” عن أهمية الشراكة الأمنية بين البلدين حيث صرحت قائلة:”وقعنا عصر اليوم اتفاقا جديدا نقوم بموجبه بتوسيع نطاق عملنا المشترك في مجال الأمن. ولم تعد المملكة المتحدة تدرب جيشنا في كينيا، فحسب ولكنها تتدرب أيضا مع الكينيين لتعزيز الاستقرار في شرق إفريقيا”.
وأضافت أيضا: “تواصل المملكة المتحدة دعم الالتزام بجنود كينيين يقاتلون في الصومال جماعة الشباب وسوف أعلن عن حزمة تمويل جديدة لدعم مهمة الاتحاد الافريقي في الصومال”.
دعم مستمر
التعاون العسكري والتجاري بين كينيا وبريطانيا ليس جديدا بالنظر إلى بريطانيا كدولة احتلت كينيا وبقيت آثار احتلالها إلى اليوم الحاضر، حيث أن السياسات الكينية لا زالت تتماشى مع الإرادة البريطانية في شرق إفريقيا والمصالح البريطانية في المنطقة لا زالت تدفعها الأطماع الأوروبية القديمة. ولكن الدعم البريطاني يرتفع حين تلمس الإدارة البريطانية الضعف الكيني الذي قد يهدد مصالح البريطانيين في المنطقة.
فشل كيني رغم الدعم
والدعم العسكري الجديد للكينيين لم يأتي إلا بعد أن تأكدت الإدارة البريطانية من تعثر الجهود الكينية في التصدي لنفوذ حركة الشباب المجاهدين المتصاعد على حدود كينيا مع الصومال، والذي تترجمه منحنيات الهجمات التي تقودها الحركة ضد الجنود الكينيين في هذه المنطقة.
وأيضا رفع القوات الكينية عدد جنودها لتحصين الحدود بشكل أكثر قوة. حيث أكد المسئول الكيني محمد بيريك المنسق الإقليمي للشمال الشرقي أن أكثر من 600 من أفراد الاحتياط بالشرطة قرر تعيينهم في مناطق قريبة من الحدود الكينية مع الصومال لمنع توغل جنود حركة الشباب المجاهدين داخل كينيا وتأمين البلدات الكينية التي تتعرض لهجمات مستمرة.
ومع ذلك، لا زالت هجمات حركة الشباب بحسب التقارير الاستخباراتية الغربية، تنطلق من عمق الأراضي الكينية ولا يحتاج جنودها إلى عبر الحدود الكينية الصومالية بعد أن أسسوا لأنفسهم قاعدة عسكرية عميقة في التراب الكيني. وهذا ما يجعل المهمة الكينية بتأمين الحدود بلا طائل خاصة وأن الجغرافيا الكينية تسمح لحرب العصابات بالتجذر بسهولة في بلد يعاني الفقر والقمع ويستنزف جيشه في حرب طويلة الأمد لم تحقق أهدافها بعد رغم كل الضخ المادي والبشري من كينيا والمجتمع الدولي.
نظام دولي مضطرب
وتبقى إفريقيا الضحية الأولى للسياسات الاستعمارية البريطانية والأوروبية بشكل عام،كونها في مرمى أهداف المصالح والسياسات التي تخدم القوى الغربية المتنافسة وهذا ما يفسر تسابق المسؤولين الأوروبيين على الساحة الإفريقية في وقت يتصاعد فيه شبح الهيمنة الصينية والروسية في نظام عالمي مضطرب تهدده العنجهية الأمريكية التي تظهر في تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولو على حساب مودة حلفاء الأمس الأوروبيين.