تعرف على #جيبوتي,أصغر بلد يجمع أكثر عدد من القواعد لأكبر القوى العالمية على أرضه:

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

جيبوتي (شهادة) – رغم صغر حجمها في خريطة إفريقيا، إذ لا تتعدى مساحتها الـ23 ألف كيلومتر مربع، ويقدر عدد سكانها بنحو 864 ألف نسمة، تعد جيبوتي أهم مركز عسكري يضم قواعد مختلفة الجنسيات على أرضها لأبرز القوى العالمية، ما يجعلها لاعبا دوليا مهما في خارطة الصراع ليس في منطقة إفريقيا فقط بل في كل العالم.

وتزايدت أهمية جيبوتي تحديدا بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001 التي قادها تنظيم قاعدة الجهاد على أميركا وكذلك بعد ذياع صيت القرصنة التي تنطلق من السواحل الصومالية في خليج عدن والمحيط الهندي، دون أن ننسى الحرب الإريتيرية الإثيوبية من 1998 إلى 2000 التي جردت إثيوبيا من موانئها في إريتريا.

وترجع هذه الأهمية لجيبوتي بشكل خاص لموقعها الاستراتيجي المميّز، كونها تقع على الشاطئ الغربي لمضيق باب المندب وتبعد عن سواحل اليمن نحو 20 كيلومترا فقط، وعلى الجانب المقابل تطلّ شرقًا على البحر الأحمر وخليج عدن،تحدها شمالا إريتريا ومن الغرب والجنوب إثيوبيا ومن الجنوب الشرقي الصومال، وبهذا تسيطر جيبوتي بشكل استراتيجي على أحد الممرات الأكثر اكتظاظا بحركة الملاحة في العالم بين باب المندب وقناة السويس، وتضع يدها بذلك على الممر التجاري الدولي الرئيسي في المنطقة، وتقدم مينائها الهام ليمثل نقطة انطلاق الأساطيل الدولية التي تراقب خليج عدن وتتتبع حركة القراصنة.. وهذا أهم ما يجذب اهتمام كل من الولايات المتحدة وفرنسا واليابان ومؤخرا الاتحاد الأوروبي والصين والسعودية والهند ويعكس أهمية استثمار وإنشاء قواعد عسكرية على أرض جيبوتي الصغيرة.

من جهة أخرى فإن هذا الموقع الاستراتيجي لجيبوتي استغل في ما يسمى الحرب على الإرهاب لتكون بمثابة مركز لإدارة العمليات ضد المناطق الملتهبة في إفريقيا وآسيا بما فيها جزيرة العرب والشرق الأوسط.

فضلا عن المكانة الاقتصادية التي كسبتها جيبوتي بسبب هذا الموقع الحاسم، بحيازتها منطقة آمنة للإبحار تجاه البحر الأحمر، من خلال خليج “توجورة” الذي يدخل عمق البر الجيبوتي لمسافة 61 كم ويؤمن هذا الممر أهم الصادرات والواردات العالمية، دون أن ننسى اعتماد جارتها إثيوبيا على مينائها”دوراليه”أحد أكبر موانئ المياه العميقة في شرق أفريقيا. ليستقبل أكثر من 80 % من السلع التي تستوردها إثيوبيا وتجني جيبوتي من وراء ذلك الأرباح.

لاشك أن هذا الإقبال والاهتمام الدولي والتنافس سدّ حاجة الرقعة الصحراوية الصغيرة لمداخيل تقوي بها اقتصادها في وقت تفتقر جيبوتي للموارد الطبيعية الاقتصادية التي يقوم عليها اقتصاد أي بلد، إذ تتحدث التقارير عن حصول جيبوتي سنويًا على قرابة 160 مليون دولار مقابل تأجير هذه القواعد العسكرية على أرضها.

وقد لفت رئيس تطوير الأعمال في هيئة الموانئ والمناطق الحرة الجيبوتي “روبليه جامع” حسبما نشرته مجلة إيكونوميست لفت الانتباه إلى أن “الجيبوتيين” لا يملكون شيئا آخر غير الموقع.

 

لنستعرض الآن قائمة القواعد العسكرية الدولية التي أقيمت على أرض جيبوتي.

  • القاعدة الفرنسية:

تعد القاعدة العسكرية الفرنسية أول قاعدة عرفتها جيبوتي بل كل إفريقيا، ذلك بحكم سيطرة الفرنسيين على الصومال عام 1850 كدولة مستعمرةأحكمت هيمنتها على المنطقة قرابة المائة عام،  ورغم إعلان جيبوتي استقلالها في نهاية المطاف في سنة 1977 إلا أن  فرنسا أصرت على أن تترك بعض قواتها لأجل مصالحها داخل القارة الإفريقية،  واتفقا الطرفان على السماح للقوات الفرنسية التي تقدر ما بين 3800 و4500 جندي فرنسي بالتواجد على الأراضي الجيبوتية، وقد تقلص  العدد إلى أكثر من 1500 جندي حسب آخر التقارير.

ويجدر الإشارة إلى أن المؤرخين يجعلون من إصرار فرنسا على الحصول على ميناء ينافس ميناء عدن البريطاني آنذاك باليمن على الضفة الأخرى للبحر الأحمر، السبب الأساسي الذي دفع فرنسا لإقامة  جيبوتي التي كانت تُسمى بالصومال الفرنسي.

وتعد هذه القاعدة بالنسبة للفرنسيين أهم قاعدة عسكرية في قارة إفريقيا وتمثل أكبر وجود عسكري لفرنسا في الخارج، هدفها المعلن هو  حماية حركة التجارة عبر مضيق باب المندب، وأيضا تقديم الحماية لجيبوتي من أي اعتداء خارجي أو داخلي.

وتتحدث التقارير عن أهمية القاعدة الفرنسية بالنسبة للجيبوتيين كونها تساهم اقتصاديا برفع إجمالي الناتج الداخلي بحوالي 25%، و65% من موازنته، وذلك يعود لتكاليف إقامة عناصر هذه القواعد وعائلاتهم التي تقطن معهم.

 

  • القاعدة الأمريكية، معسكر ليمونيير:

وجدت الولايات المتحدة لنفسها موطأ قدم على أرض جيبوتي في سنة 2002 من خلال إقامة معسكر ليمونيير الذي يقع جنوبي مطار “أمبولي” الدولي، والتي ينشط فيها مايزيد  عن 4500 جندي أمريكي إضافة لشركات مقاولات أمريكية.

وتتلخص الأهداف المعلنة للقاعدة في مراقبة المجال الجوي والبحري والبري للسودان وإريتريا والصومال وجيبوتي وكينيا واليمن، وتمويل وتدريب جنود جيبوتي. كما تنطلق منها عمليات ما يسمى مكافحة الإرهاب التي يقودها الجيش الأمريكي في الصومال لمواجهة حركة الشباب المجاهدين وفي اليمن لمواجهة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وتمثل القاعدة أيضا ورقة مهمة للحفاظ على المصالح الأمريكية في إفريقيا العسكرية منها والاقتصادية والسياسية.

وتتحدث التقارير عن تأسيس وزارة الدفاع الأمريكية لما يعرف بأفريكوم “القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “(USAFRICOM) التي بدأت أعمالها منذ 2007 وهي وحدة مكونة من قوات مقاتلة موحدة تحت إدارة وزارة الدفاع الأمريكية، مسئولة عن العمليات العسكرية الأمريكية وعن العلاقات العسكرية مع 53 دولة أفريقية.

ويعد إيجار القاعدة بالنسبة للجيبوتيين مصدر تمويل مهم إذ وصل  مؤخرا لمبلغ 63 مليون دولار سنويا، بعد أن كان 30 مليون سابقا، تدفعها واشنطن بانتظام للحكومة الجيوتية وتتمتع مقابل ذلك بحرية مطلقة على أراضيها.

وقد لفت “جون كيري” مبعوث واشنطن في رحلته الأخيرة لإفريقيا، لفت النظر لأهمية جيبوتي بالنسبة للولايات المتحدة عندما نزل بها كمحطة رئيسية في برنامج زياراته المبرمجة لدول إفريقيا، وليؤكد مكانتها في السياسة الأمريكية كأكثر بلد يجمع أبرز القوى العالمية على أرضه.

 

  • القاعدة اليابانية

لم يغب عن ذهن اليابانيين أهمية جيبوتي في خريطة العالم وسارعوا كغيرهم من قوى لإنشاء قاعدة عسكرية ولكن منذ وقت مبكر، فالتقارير عن انطلاقة العلاقات الجيبوتية اليابانية تؤكد أنها بدأت منذ السابع والعشرين من شهر يونيو 1977 عندما اعترفت اليابان  بسيادة جمهورية جيبوتي، واستمرت بعدها العلاقات لتتوسع في جميع المجالات بما فيها الاقتصادية والتكنولوجية. ولتتوج في  عام 2009 بإنشاء البحرية اليابانية قاعدة عسكرية رسمية لها في جيبوتي، يتلخص دورها المعلن في ملاحقة القراصنة، وتقول التقارير أنها القاعدة الوحيدة لليابان في الخارج.

 

  • القاعدة العسكرية الأوروبية

وهي ما تمثل قوة الاتحاد الأوروبي المشتركة التي أطلق عليها (العملية الأوروبية لمكافحة القرصنة أتلانتا) يتلخص دورها في ملاحقة القراصنة في مضيق باب المندب ومراقبة الحركة التجارية فيه.

وتضم هذه القوة مئات الجنود من ثمان دول أوروبية هي: ألمانيا، بلجيكا، أسبانيا، فرنسا، اليونان، هولندا، بريطانيا والسويد، الذين يحظون بترحيب حار من قبل الحكومة الجيبوتية.

 

  • القاعدة الصينية:

في الوقت الذي أضحت فيه الصين قوة عظمى تتطلع لمقاعد الريادة في النظام الدولي، اتجهت أنظارها مؤخرا إلى جيبوتي لتقيم فيها قاعدة عسكرية تعتبر أول منشأة عسكرية للصين في الخارج، وقد تم تأسيسها في 25فبراير 2016.

وسبق أن كشفت بكين عن عزمها نشر قرابة 10 آلاف جندي في قاعدتها الجديدة، وستدفع مقابل ذلك أكثر من عشرين مليون دولار في السنة،تكاليف الإيجار للحكومة الجيبوتية لعقد مدته عشر سنوات.

وتتلخص أهداف القاعدة الصينية المعلنة في تقديم استراحة عسكرية للجيش الصيني ولتساعد في إعادة تموين القوات التي تنفذ مهاما حربية أو إنسانية أو مهام لما يسمى حفظ السلام وأيضا لحفظ مصالحها الاقتصادية في المنطقة.

ويجدر الإشارة إلى أن الصين سبق وأن نشرت 700 جندي من قواتها لحماية مصالحها النفطية في جنوب السودان وتأمين تجارتها التي يقدر حجمها بـ 200 بليون دولار في السنة في إفريقيا. ولتؤمن سير خطوط إمدادها التجارية من المحيط الهندي إلى بحر الصين الجنوبي.

 

  • القاعدتين السعودية والهندية.. مسودة المشروع وتطلعات مستقبلية

كونها تقود تحالفا عسكريا عربيا ظهر في مارس 2015، وتدخلت مؤخرا في مستنقع اليمن العميق، قررت الحكومة السعودية تقديم طلب للحكومة الجيبوتية ليسمح لها بإنشاء قاعدة تابعة لقواتها في جيبوتي لدعم عملياتها العسكرية ضد الحوثيين والرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح ولدعم الحكومة المسماة الشرعية اليمنية  وقد أعلنت الحكومة الجيبوتية عن مطالب السعودية ولكن لم تظهر أي تقارير تؤكد إنطلاق القاعدة فعليا في العمل على الأراضي الجيبوتية وتتحدث أغلبها عن المداولات التي تقوم بالتوطأة لهذا المشروع.

كذلك تكررت التقارير التي تتحدث عن عزم الهند إنشاء قاعدة لها في جيبوتي على غرار الدول الكبرى.

 

مستقبل جيبوتي

إن جمع أرض جيبوتي الصغيرة هذا العدد الكبير من القوى الدولية الكبرى التي قد لا تلتقي دائما في مصالحها في نفس الوقت يدفع بالمراقبين للتخوف من أن تصبح جيبوتي غير ملائمة في المستقبل كأرضية مكتظة بالوجود العسكري الأجنبي ويصبح من الصعب تخمين عواقب الضغط العسكري المتعدد الأقطاب في رقعة أرض واحدة صغيرة لكن يبدوا أن هذا التفصيل الخطير لا يشغل كثيرا بال القيادة الجيبوتية التي انشغلت بعد مداخيلها من الدولارات التي تجنيها مقابل تسخير مجالاتها البرية والبحرية والجوية لجيوش القوات الأجنبية. في حين يقبع أغلب الشعب الجيبوتي تحت خط الفقر كونه لا يستفيد من هذه الأموال التي تنتهي  في جيوب قيادته المستبدة.