بالصور: كينيا والحصاد المر بعد 6 سنوات من غزوها للصومال:
تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية:
كينيا (شهادة) – في مثل يوم أمس 16 تشرين الأول / أكتوبر من سنة 2011 ، عبرت القوات الكينية الحدود الاستعمارية إلى جنوب الصومال في ما اعتبر أول وأكبر مغامرة عسكرية لكينيا خارج حدودها.
ورغم مرور 6 سنوات على غزو جيشها للصومال لا زالت كينيا لم تحقق أهدافها المعلنة من هذا الغزو الذي حمل اسم “عملية ليندا إنشي” باللغة السواحيلية، وهي تعني عملية حماية البلاد.
الأسباب المعلنة
وزعمت كينيا ابتداء أن السبب وراء هذا الغزو هو عملية اختطاف لامرأتين إسبانيتين على أرضها موجهة أصابع الاتهام نحو حركة الشباب المجاهدين رغم نفي الأخيرة لأي علاقة لها بعملية الاختطاف هذه، وفي وقت تعرف فيه كينيا مجموعات أخرى تسببت في الكثير من الفوضى وجرائم القتل وتهديد الأمن القومي الكيني بنسب هي أعلى مقارنة مع تهديد حركة الشباب لكينيا آنذاك، لكن استمرت كينيا في سياسة التغافل وأعلنت عن الغزو الذي يهدف إلى هزيمة حركة الشباب المجاهدين بشل شبكاتها وقدراتها على شن غارات عبر الحدود إلى كينيا وهو شعار الحرب الذي رفعته الحكومة الكينية لتقنع شعبها، ولكن مع الأيام تبين للكينيين أن الغزو كان أكثر بكثير من مجرد حماية للمصالح الوطنية لكينيا.
دعاية مصطنعة تصطدم بالحقيقة
وعلى عكس انطلاقة هذا الغزو أين حظي بحملات إعلامية واسعة تعد محاسنه، تفتقد الحكومة اليوم الأسباب التي تكسب بها قناعة الشعب الكيني بجدوى هذا الغزو للبلد المجاور ، خاصة بعد الخسائر الثقيلة التي مني بها جنودها إثر الهجمات الدامية على قواعدهم العسكرية، وأيضا بعد أن بدأ الكينيون يشاهدون تمدد نفوذ حركة الشباب المجاهدين داخل أراضيهم بفتح جبهات أثار نشاطها حالات ذعر وخوف لم يسبق له نظير، وشاهدوا بأم أعينهم كيف أن غزو البلد المجاور جلب عليهم القتل والدمار.
تفاقم الوضع الأمني بعد الغزو بلغة الأرقام
فمنذ الغزو الكيني للصومال والذي كان من أحد أساليب الدعاية له وعود الحكومة برفع درجة الأمن في كينيا، تضرر الكينيون بشكل مستمر من انعدام الأمن وفتح الباب على مصراعيه لهجمات حركة الشباب المجاهدين التي شُنّت لرد صائل الكينيين، فتفاقمت الحالة الأمنية الهشة بالأصل في البلاد. وهو الأمر الذي أكدته لغة الأرقام التي نشرتها قاعدة بيانات الإرهاب العالمي، حيث أكدت الأرقام بأن الأوضاع في كينيا اتسمت بالهدوء خلال الخمس سنوات التي سبقت الغزو، وسجل خلالها لحركة الشباب سقوط 7 % فقط من الوفيات و27 % من الإصابات الكينية. غير أنه بعد خمس سنوات من الغزو، ارتفعت الهجمات التي سجلت باسم حركة الشباب إلى 61 % من جميع الهجمات مما أسفر عن 77 % من جميع الوفيات و 75 % من جميع الإصابات الكينية. وهذه زيادة بأكثر من عشرة أضعاف في عدد الهجمات وزيادة بأكثر من4000 % في عدد الوفيات.
وفي تصريح له معلقا على تفاقم الوضع الأمني في كينيا، قال فاراح معليم رئيس الجمعية الوطنية الكينية سابقا : “أريد تصحيح بعض الأشياء. أولا، ليس صحيحا أن حوادث الإرهاب قد انتهت بعد أن دخلت قواتنا هناك. لقد تعرضنا لأسوأ الأعمال الإرهابية في هذا البلد بعد أن ذهبت قواتنا هناك، فبعد أن ذهبت قواتنا هناك حصلنا على ويستغيت، وبعد أن ذهبت قواتنا هناك حصلنا على مذبحة غاريسا، وبعد أن ذهبت قواتنا هناك حصلنا على المذابح في حافلات مانديرا، بعد أن ذهبت قواتنا هناك حصلنا على الكثير من الانفجارات هنا، كل هذه الأمور وقعت بعد أن ذهبت قواتنا هناك”.
تأزم الوضع الاقتصادي بعد الغزو بلغة الأرقام
وتؤكد التقارير أن الغزو الكيني للصومال كبّد القوات الكينية خسائر مادية هائلة أثرت مباشرة على الاقتصاد الكيني رغم أن الدوافع لهذا الغزو لم تخلو من طمع في دعم الاقتصاد الكيني بنهب ثروات الصومال، ويقول بن روالانس الباحث السابق في هيومن رايتس ووتش: ” في ذلك الوقت الذي كنا جميعا نخدش رؤوسنا للتفكير كيف تقدم كينيا على الغزو، بسبب بعض الاختطافات؟ من المؤكد أنهم يعرفون أنهم بضرب عش الزنابير فإن رد الفعل سيكون ضخما. الآن يبدو أن كل شيء ظهر، وفعلا إذا كنت تبحث عن كثب عما تفعله كينيا حقيقة في الصومال؛ هل هي ذاهبة خلف حركة الشباب؟ لا. إذا هذا الغزو لأجل المال. ولأن الأمر يتعلق بالمال، ليس متعلقا بحركة الشباب.”
وكما يقال لا يحيق المكر السيء إلا بأهله، فبدل أن تدفأ كينيا خزانتها بزيادة في الأموال نتيجة تعديها على الصومال، تلقى قطاع السياحة الذي يعد أكبر مصدر للصرف الأجنبي في كينيا ضربات أضعفته بشكل لم يكن متوقعا لدى السلطات الكينية، فوفقا للمسوحات الاقتصادية التي أجراها المكتب الوطني للإحصاء في كينيا، أدى غزو الصومال إلى انخفاض تدريجي في قطاع السياحة في البلاد، وانخفضت الأرباح من 98 مليار شلن كيني في 2011 إلى أكثر بقليل من 84 مليار شلن في عام 2015. وبالمثل، انخفض عدد السائحين القادمين إلى البلاد انخفاضا حادا، من نحو مليوني سائح وصلوا في عام 2011 إلى ما يزيد قليلا على مليون في عام 2015. ومع تراجع الدخل من قطاع السياحة بنسبة 13.6 %، انخفض عدد السياح بأكثر من %35.
ووفقا للأرقام الصادرة عن وزارة الخزانة الوطنية، فإن كينيا، على مدى السنوات الست الماضية، أنفقت على أمنها القومي أكثر مما تنفقه على أكثر المؤسسات الحيوية في البلاد – ألا وهو قطاع الصحة. وفي حين تعهدت كينيا بتقديم 60 مليار شلن فقط لقطاع الصحة للفترة 2017-2018، كان أكثر من ضعف هذا المبلغ – وهو 126 مليار شلن – مخصصا للذهاب إلى الأمن القومي. وفي الفترة من 2011 إلى 2017، زادت ميزانية الأمن القومي بنسبة ضخمة بلغت 118 %، بينما زادت ميزانية القطاع الصحي بنسبة 63 % فقط. ما يفسر حنق وغضب آلاف الأطباء الكينيين الذين لجأوا لإعلان الإضراب في وقت لا يستطيع الملايين من الكينيين المدنيين الحصول على العلاج الطبي الأساسي في بلدهم.
الجيش ينتهز فرصة الغزو لمزيد من الفساد
ووفقا للشفافية الدولية، تعتبر كينيا من بين أكثر الدول فسادا في العالم، وهي في أسفل القائمة لعدة سنوات متتالية، وهي حاليا في المرتبة 145 من أصل 176 بلدا. وينتشر الفساد في كل فرع من فروع الحكومة في حين يعد الجيش على وجه الخصوص أحد المؤسسات الأكثر فسادا في البلاد. إذ أن الملايين من الدولارات التي قدمتها الأمم المتحدة والدول الأوروبية فضلا عن الولايات المتحدة لأجل دعم غزو الصومال والتي وصلت ليد قادة الجيش الكيني، قد اختفت بشكل مريب ويجهل تماما كيف آل مصيرها، فضلا عن العديد من الأسئلة التي لا زالت تنتظر إجابات وهي تحيط بالنفقات العسكرية في وزارة الدفاع.
وقال بوني خالويل سينيتور كاكاميغا: “اليوم يجهل الكثير من الكينيين، أن جنرالات الجيش الذين هم قوة احتلال في الصومال، والذين كان ينبغي أن يغادروا الصومال في وقت مضى. ليسوا هناك لأغراض الدفاع. إنهم يعملون بالتجارة، إنهم يتداولون السكر والسلع الأخرى. وهم يسمحون للسكر بأن يأتي من السلع الصومالية وغيرها من السلع المهربة، وتمر عبر نقاط الحدود لدينا وهذا هو السكر الذي يسبب المشكلة لشركة موماس للسكر”.
وهكذا لم يحقق الغزو الكيني للصومال الحماية المزعومة للكينيين، ولا الانتعاش الاقتصادي الموعود، كما أنه لم يغير شيئا في واقع الصومال. بل هوجمت القواعد الكينية للجيش الكيني عديم الخبرة بشكل متكرر وساحق، وفي نفس الوقت تصاعدت الهجمات داخل كينيا، واستهدف الكينيون داخل بلادهم.
إعلام حركة الشباب يفضح حكومة كينيا
ويجدر الإشارة إلى أن ما وضع الحكومة الكينية في موقف محرج جدا وكشف تخبطها وكذبها هو إعلام حركة الشباب المجاهدين الذي تمثله مؤسسة الكتائب حينما نشرت الأخيرة إصدارات موثقة لهزائم الجيش الكيني بشكل مثير للدهشة، أكدت فيها لقطات السيارات التي تنفجر وأشلاء الجنود التي تتطاير وصور جنود آخرون يؤسرون ويرسلون المناشدات ثم يقتلون، وصور الغنائم والآليات التي يتم غنمها ليس فقط من القواعد العسكرية داخل التراب الصومالي بل أيضا التي يتم غنمها داخل كينيا ويتم إدخالها إلى الصومال، أكدت كلها درجة الفشل الذي تعاني منه القوات الكينية والهزيمة التي منيت بها في مواجهة حركة الشباب المجاهدين، لقد صورت عدسات الكتائب أغلب اللقطات الحية والمؤثرة التي تبين كيف تسيطر حركة الشباب على قواعد الكينيين العسكرية، وتحطم صلبانهم وتهدم كنائسهم بداخلها، بينما يتفرق جنودهم بين قتيل وجريح أسير وبين فلول تفر جبنا خوفا على حياتها وهذا كان بمثابة الدليل الدامغ الذي أربك الحكومة والجيش الكيني أمام شعبه ولم تنفع معه سياسة الكذب والافتراء التي امتهنها الساسة الكينيون.
عملية ويستغيت تفضح ضعف كينيا
ولعل أبرز ما يميز السنوات الست التي مضت منذ بداية الغزو الكيني هي عملية حصار المركز التجاري الشهير ويستغيت في عام 2013. أين انكشف كذب الحكومة الكينية الفاضح والتي تخبطت في مستنقع التصريحات الكاذبة والمتناقضة أمام ما أحدثه الهجوم الذي قاده أربعة من جنود حركة الشباب المجاهدين فقط، واستمر لمدة 8 أيام لم ينته إلا بهدم المركز بالكامل ولم تتمكن القوات الكينية ومن معها من فرق القوات الخاصة التي أرسلها عدد من البلدان على رأسهم إسرائيل، من حسم العملية أو أسر منفذيها، وفجع الشعب الكيني بمشاهدته صور جنود قوات الدفاع الكينية بدل أن تحمي المركز التجاري تسارع لنهبه بفضل التوثيق الذي سجله جنود حركة الشباب المجاهدين، وتحت تغطية إعلامية أذهلت جميع المؤسسات الإعلامية العالمية التي كانت تتلقف الأخبار من حسابات حركة الشباب على الأنترنت.
لقد شهدت كينيا هجمات دامية كهجمات غاريسا ومانديرا داخل الأراضي الكينية وفي نفس الوقت شهدت هجمات ساحقة في عيل عدي وكولبيو داخل الأراضي الصومالية. وبسبب التعتيم والكبر الذي تعاني منه الحكومة الكينية لأجل إخفاء هزيمتها ، اضطرت الأسر الكينية للجوء إلى وسائل الإعلام التابعة لحركة الشباب للحصول على معلومات دقيقة حول مصير أبنائهم.
وشكلت هجمات عيل عدي وكولبيو أكبر خسارة في الأرواح في تاريخ الجيش الكيني ومع ذلك، لا تزال أسر الجنود لم تتلقى عزاء يليق بتضحيات جنودها في أرض لم يجنوا من غزوها إلا مزيدا من الفشل.
مداراة الفشل بزيادة القمع والاستبداد
فشل ظهرت آثاره واضحة على سجل الحقوق والحريات الانسانية في كينيا بعد عملية “ليندا إنشي” حيث فقدت البلاد بوصلتها الأخلاقية ولم يعد هناك أي قيمة للأمانة والسلامة في المجتمع الكيني. وقد انكشفت أساليب الحكومة للتهرب من المواقف المحرجة التي يضعها أمامها المراسلون والصحافيون حين يستفسرون عن وفيات جنودهم في الصومال. أو يحاولون مناقشة ظلم حكومتهم، أو أن يبرزوا فسادها في الصحافة أو في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تلجأ الحكومة إلى تخويفهم لالتزام الصمت، أو اعتقالهم واتهامهم بالتعاطف مع حركة الشباب لأجل قمع وجهات نظر المعارضة.
وبهذا تحولت كينيا إلى دولة شرطة قمعية، تمارس إجراءات السيطرة القمعية الصارمة ضد المواطنين الكينيين، الذين يضربون بقسوة ويزج بهم في السجون لأدنى مطالبة بالحقوق.
ثم ها هو مشهد الانتخابات الكينية يكشف عن عمق الفساد والعقلية الاستبدادية التي تتصف بها الحكومة الكينية التي لعبت بنتائج الانتخابات لصالحها ثم قمعت المعارضة الكينية بطريقة أثارت تعجب المراقبين حتى انتهت باستقالة زعيم المعارضة مرغما، واستمر الحزب الحاكم ورئيسه في التشبث بكرسي الحكم رغم معارضة أغلب الشارع الكيني لهذا التمديد في عمر السلطة.
عبيد للغرب مقابل لا شيء
وفي حين اجتمعت جميع الأدلة والأسباب التي تؤكد فشل الغزو الكيني للصومال، فإن ما يدفع بالكينيين حقيقة للعناد والاستمرار في طريق الموت وتكبد مزيد من الخسائر في الصومال، هو ذلك المجتمع الدولي على رأسه الولايات المتحدة الامريكية الذين يناسبهم أن يقاتل عنهم الكينيون بالوكالة فيوفرون عليهم الخسائر المباشرة ويضحون بالغالي والنفيس لأجل تنفيذ أجنداتهم مقابل وعود لم يظهر لها أثر، أمام حجم الخسائر التي تعاني منها كينيا.
في التاريخ عبر ودروس ولكن كينيا تأبى الاستفادة منها
أما بالنسبة لحركة الشباب المجاهدين فهي تعتبر الغزو الكيني سببا كافيا للاستمرار في قتال الغزاة الكينيين بل وحقا مشروعا للتمدد داخل أراضيهم، ولن تتوقف بنادق المجاهدين من استهداف النصارى الكينيين حتى تجليهم من الأراضي المغتصبة كما نجحوا في ذلك مع الغزو الإثيوبي في سنة 2006. مع دولة تمرست الحروب وتحمل رصيدا من الخبرات القتالية معتبرا، ومع ذلك لم تتمكن من تحقيق مآربها من الغزو الذي جاء لأجل وأد الحركة الإسلامية في الصومال، بل على العكس زاد هذا الغزو الحركة الإسلامية الجهادية صلابة وقوة واتساعا، فإلى متى ستتعلم كينيا الحديثة عهد بالحروب، الدرس، أم أنها ستستيقظ فقط على واقع غزو حركة الشباب المجاهدين لنيروبي وممباسا؟!