انطلاق ثورة جديدة في السودان والبشير يتوعد

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

ما لبث أن عاد الرئيس السوداني عمر البشير إلى الخرطوم بعد زيارته المثيرة للجدل في دمشق، حتى تفاجأ بانفجار الشوارع السودانية في ثورة غاضبة كتلك التي بخسها حقها في سوريا بحسب منتقدي تقاربه الجديد مع بشار الأسد.

 

لعنة السوريين تصيب البشير

وفيما وصفه بعض المراقبين باللعنة التي أصابت البشير إثر زيارته الأخيرة إلى العاصمة السورية، فقد خرج مئات السودانيين للاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع الأسعار المتواصل وأزمة السيولة والركود الاقتصادي. وكانت أكبر المدن تأثرًا بهذا الحراك: عطبرة، والدامر، وبربر، وكريمة، وسنار، والقضارف، والخرطوم وأم درمان. وامتدت التظاهرات، إلى مدينة الرهد غرب السودان حيث عبر المتظاهرون عن غضبهم بإضرام النار بمقر الحزب الحاكم.

 

القمع العنيف يودي بحياة العشرات

ولم تفلح التطمينات والوعود بتحسين الوضع، التي أرسلها المسؤولون الحكوميون بما فيهم عمر البشير في تهدئة روع المتظاهرين بل ولا حتى العنف والرصاص الحي وحملات الاعتقالات والتهديدات التي واجهت بها القوات الأمنية السودانية المسيرات الاحتجاجية.

 

وتتحدث منظمة العفو الدولية عن سقوط 37 قتيلا من المدنيين وعشرات المصابين، بسبب القوة الوحشية التي استعان بها عمر البشير لكبت هذه الاحتجاجات.

 

من جهتها أعلنت الرئاسة السودانية، عن مقتل عسكريين اثنين كانا يشاركان في المسيرات.

 

التصعيد عن طريق العصيان المدني

وتفاقم الوضع أكثر بالأمس حيث انتشرت دعوات لعصيان مدني في محاولة للضغط على الحكومة لتلبية مطالب المحتجين. بينما قابلت الحكومة هذه الدعوات بالتحذير الشديد من الاستجابة إليها ووصفتها بـ”الهدامة”. بل وفقا لبعض الصحفيين المحليين فقد هددت الحكومة بفصل أي شخص يعمل في المؤسسات الحكومية يستجيب لهذه الدعوات ويشارك فيها واعتبرت الثورة الجديدة “مؤامرة خارجية، تتعرض لها البلاد”.

 

ومع ذلك عجزت اليد الحديدية التي استعان بها عمر البشير والتهديدات التي توعد بها من يتظاهر ويطالب بحقه في المعيشة الكريمة، عن منع الآلاف عن الخروج استجابة لدعوة تجمع المهنيين السودانيين، حيث وصف تجمعهم بغير المسبوق، وهتف الجميع بصوت واحد غاضب “الشعب يريد إسقاط النظام”.

 

من جهتها حاولت قوات الأمن السودانية تفريق الجموع بواسطة الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي. وقد تم توثيق العديد من الإصابات عبر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك.

 

البشير يرد على إشاعة سجنه

كما شهد الشارع السودني تواتر إشاعات عن اعتقال محتمل لعمر البشير وإيداع في السجن ما دفع بالأخير للخروج إلى ملعب ود الحداد بمحلية جنوب الجزيرة والصراخ عاليا بقول “أنا الآن موجود وسطكم” وليتوعد بملاحقة من وصفهم بـ “كل خائن وعميل ومن روج لشائعة سجنه”.

 

أدوات الثورة المضادة تتربص

وفي الوقت الذي اجتمعت فيه جميع أوصاف الثورة على احتجاجات الشعب السوداني بدأت توقعات المراقبين تميل إلى أن فرص التصعيد قد تؤدي إلى ثورة على غرار تلك التي انطلقت في ليبيا وتونس وسوريا، إلا أن أدوات الثورة المضادة كانت هذه المرة أبكر في الاستجابة لخطر الثورة السودانية المقبل، وقد تجلى ذلك بمسارعة رؤساء الأنظمة العربية للتعبير عن مساندتهم للرئيس عمر البشير كمثل عبد الفتاح السيسي، الرئيس المصري المعروف بقمعه للشعب المصري ولم يختلف عنه تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، الذي انضم إلى قطار المدافعين عن البشير رغم خلافه مع بعضهم، حيث عرض الأخير مساعدته للرئيس السوداني من أجل تجاوز هذه المحنة.

 

ولم تختلف ردود هؤلاء الرؤساء عن ردود باقي دول الخليج بما فيها الكويت والإمارات العربية المتحدة التي ترى في عمر البشير بطلا ساند قضاياهم ويستحق الآن رد الجميل.

 

ويجدر الإشارة إلى أن البشير كان قد ساهم بقوات من جيشه في التحالف العربي الذي يشن حربًا في اليمن أثارت الكثير من الانتقادات بسبب حجم الجرائم الإنسانية الموثّقة التي نالت من اليمنيين العزّل بدل أن تهزم الحوثيين المتمردين منذ سنوات.

 

إحباط من الإعلام القطري

وقد لاحظ الكثير من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي البرودة التي اتسم بها الإعلام القطري بما فيه قناة الجزيرة في تناول تغطية الثورة السودانية، على عكس ما تميّزت به خلال تغطيتها لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ما فسره البعض بالسياسة الإعلامية للصحافة القطرية التي تكيل بمكيالين، حيث توظّف المظالم للنيل من الخصم وليس بهدف نصرة كل مظلوم أو صاحب قضية في العالم الإسلامي.

 

مطالب الثورة شرعية

وهكذا تبقى الاحتجاجات التي انطلقت  في 19 ديسمبر، عقب قرار الحكومة زيادة سعر الخبز للمرة الثالثة في الدولة التي تعاني أساسا من ركود اقتصادي، مستمرة في ظل فرض السلطات السودانية لحالة الطوارئ وإعلان وزارة التربية والتعليم تعليق الدراسة في المدارس حتى إشعارٍ آخر.

ويجدر الإشارة إلى أن المواطن السوداني يثقل كاهله أزمات عديدة على رأسها أزمة الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي، وأيضا ارتفاع أسعار العملات حيث سجّل تجاوز سعر الدولار الواحد الـ 60 جنيها ما يعتبر رقما قياسيا في تاريخ السودان.

 

ويرى المراقبون السبب الأول خلف هذا التدهور للظروف المعيشية والانهيار الاقتصادي للحكومة، الديون الثقيلة التي تدين بها الأخيرة لصندوق النقد الدولي وسندان إملاءاته التي لا تراعي حالة المواطن السوداني الفقيرة،  فضلا عن الفساد الإداري والمالي الذي استشرى في مؤسسات الحكومة والتضخم وتطبيق سياسات مصرفية جففت السيولة في البنوك. في وقت خسرت فيه البلاد 75% من الاحتياطي النفطي الذي كان يدر عليها بملايير الدولارات وذلك من عواقب انفصال جنوب السودان. حيث قدر حجم الخسارة بحوالي  90% من الصادرات ما أغرق البلاد في  حالة من الفقر المدقع.

 

وليست هذه أول احتجاجات يعرفها السودان بل سبق وأن خرج السودانيون الغاضبون وبنفس المطالبات في سبتمبر/أيلول 2013 عقب رفع الدعم عن الوقود، إلا أنه وبعد سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف المحتجين والزج بالمئات في معتقلات السجون، تمكن عمر البشير من إحكام قبضته مرة أخرى على الشارع السوداني.

 

حظوظ نجاح الثورة السودانية الجديدة

وتبقى حظوظ نجاح الثورة السودانية الجديدة رهن الأجوبة على الأسئلة التالية: هل ستستفيد هذه الثورة من أخطاء غيرها من ثورات مجاورة ؟ وهل ستتمكن من تجاوز كمائن الثورة المضادة التي بدأت من الآن بالتربص بها؟ وهل سيستطيع السودانيون خلع رئيس مكث في الحكم لعشرات السنين دون أن يفي بوعوده لهم على الأقل في تحسين المستوى المعيشي؟ وإلى أي مدى سيتمكن البشير وحلفاءه العرب من كبت الغضب السوداني؟ وهل ستشهد السودان تدخلات غربية كتلك التي عرفتها ثورات الربيع العربي؟

 

والخلاصة فإن مستقبل الثورة السودانية يبقى رهين قدرة الشعب السوداني على فرض مطالبه على عمر البشير وتجاوز كل العقبات والمكائد من داخل السودان وخارجه.