السودان بين وعود رئيس الوزراء الجديد “حمدوك” ووضع اقتصادي منهار ونزاعات مسلحة

تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية

بعد ترشيحه لرئاسة الوزراء من قبل قوى إعلان الحرية والتغيير، استلم عبد الله حمدوك رسميا منصبه وانطلق في تقييم وضع البلاد ودراسة الحلول الممكنة للخروج من أزمتها.

 

وأعلن رئيس وزراء السودان الجديد بعد ثلاثة أيام من استلام منصبه، أن بلاده بحاجة لمساعدات أجنبية تقدر بعشرة مليارات دولار خلال العامين المقبلين وذلك خلال حوار تليفزيوني بثته قناة سودانية محلية ونشرته وكالة الأنباء السودانية الرسمية.

 

تصريحات حمدوك

وأوضح حمدوك أن 8 مليارات منها لتغطية الواردات والمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد المنهار، ومليارين آخرين “كاحتياطي من النقد في البنك المركزي للمساعدة في إيقاف تدهور سعر صرف الجنيه”.

 

تحركات حمدوك شملت أيضا الإعلان عن انطلاق محادثات مع صندوق النقد والبنك الدوليين لمناقشة إعادة هيكلة ديون السودان. في وقت أصبحت فيه الاحتياطيات في البنك المركزي ضعيفة ومنخفضة للغاية.

 

قال حمدوك:”بدأنا اتصالات مع الجهات المانحة وبعض الأطراف في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الأفريقي، وحجم ديون السودان حوالي 56 مليار دولار ولكن لا بد من الوصول أولا لتفاهمات حول فوائد الدين السيادي التي تبلغ حوالي ثلاثة مليارات دولار، لأن النظام السابق كان يعجز عن السداد”.

 

وغاية حمدوك من هذه الاتصالات “فتح الطريق لاستفادة السودان من برامج الإعفاءات من الديون وجدولة الديون والحصول على المنح والقروض”.

 

ولم ترد تعليقات بهذا الشأن من جانب صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي.

 

تأتي هذه التحركات في وقت يجري فيه حمدوك بالموازاة محادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية بهدف رفع اسم السودان من قائمة واشنطن للدول الراعية للإرهاب التي أدرج فيها منذ عام 1993.

 

ومن جانبها لم تعلق الإدارة الأمريكية عن المحادثات إلا أن مصادر تحدثت عن إعلان المبعوث الأمريكي الخاص بالسودان دونالد بوث تأكيده على دعم بلاده للحكومة المدنية القادمة بالخرطوم، ومشيرا إلى أن الحوار سيستأنف قريبا بين البلدين.

 

وسبق وأن رفعت واشنطن، في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2017، عقوبات اقتصادية وحظرًا تجاريًا كان مفروضًا على السودان منذ 1997، إلا أن اسم البلاد لا زال في قائمة “الدول الراعية للإرهاب”.

 

وتناول حمدوك خلال حواره، قضية الفساد وضرورة التصدي له بطريقة صارمة تحتاج لتحقيق ذلك إلى قضاء مُستقل، وإعلام يساعد في علاج هذه القضية.

 

يجدر الإشارة إلى أن حمدوك خبير اقتصادي سبق وأن شغل منصب الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة.

 

واعتبر حمودك أكبر أزمة اقتصادية تواجه البلاد هي ” أزمة الثقة في القطاع المصرفي”.

 

ويعاني السودان من أزمة اقتصادية حادة منذ انفصال الجنوب في 2011، وفقدانه ثلاثة أرباع إنتاجه النفطي، إضافة لأزمة ارتفاع أسعار صرف الجنيه السوداني أمام الدولار، وندرة في السيولة بالأسواق السودانية إذ أن 97% إلى 98% من أوراق النقد خارج المصارف، إضافة إلى ندرة أخرى في المواد الأساسية.

 

وحملت تصريحات رئيس وزراء السودان الجديد تحديات لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي برفضه لأي توجه خصخصة قد يشترطه الأخيران وقال: “لايوجد شخص يفهم اقتصادنا أكثر منا، ونستطيع أن نصل لوصفة لمعالجة قضايانا الاقتصادية، ونجبر البنك الدولي وصندوق النقد على فهم ذلك”.

 

 تحديات حقيقية

ويرى المراقبون أن تحديات حمدوك ليست بتلك السهولة، وأن رئيس الوزراء الجديد سيواجه أيضا معارضة داخلية متصاعدة من حلفاء الثورة أنفسهم فضلا عن قوى سياسية أخرى تشعر بالإقصاء والتهميش.

 

وتتمثل مهمة حمدوك الأولى خلال 6 أشهر من عمر الفترة الانتقالية الممتدة لثلاث سنوات في إدارة ملف قضايا الحرب والسلام والوصول إلى تسوية معقولة مع الحركات المسلحة.

 

في حين يرى مراقبون أن حمدوك يغفل عن وثيقة الدستور، التي لا تخوله تحقيق برنامج غير برنامج القوى التي رشحته وبالتالي فإن عليه أولا تغيير الدستور ثم الحديث عن برامج لإنقاذ البلاد.

 

البلاد منهوبة والرئيس المخلوع مليونير

وفي الوقت الذي يحاول فيه السودان تجاوز أزماته الاقتصادية وحاجته الماسة للأموال، عثر على قرابة سبعة ملايين يورو، إضافة إلى 301 ألف دولار، وخمسة ملايين جنيه سوداني (112 مليون دولار) في أدراج وخزائن حديدية في مقر إقامة الرئيس المخلوع عمر البشير الذي تجري محاكمته بتهم الفساد واختلاس الأموال.

 

وأقر البشير من جانبه في أولى جلسات محاكمته بتلقيه تسعين مليون دولار نقدا من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إضافة لمليون دولار من حكومة الإمارات.

 

ويجدر الذكر أن رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان أعلن في أبريل/نيسان الماضي العثور على ما قيمته 113 مليون دولار من الأوراق النقدية بثلاث عملات مختلفة في مقر إقامة البشير بالخرطوم.

 

اشتباكات بالأسلحة في ولاية البحر الأحمر

وعلى صعيد متصل بتطورات السودان أعلن المجلس السيادي الحاكم في السودان هذا الأسبوع عن حالة الطوارئ في ولاية البحر الأحمر شرق البلاد، بعد اشتباكات قبلية في عاصمة الولاية “بور سودان” خلفت عشرات القتلى.

 

الاشتباكات في ولاية البحر الأحمر رافقتها انتقادات لأداء السلطات أدت إلى إقالة المجلس لوالي البحر الأحمر ومدير جهاز الأمن بالولاية، وتشكيل لجنة تحقيق في أعمال العنف التي اندلعت بين قبيلتي البني عامر والنوبة.

 

وأشارت السلطات السودانية إلى استخدام أسلحة نارية في القتال، وفسرته بوجود “تدخلات داخلية وخارجية لإذكاء النزاع”.

 

وهكذا تستمر الحياة في السودان في دوامة الصراعات ولكن هذه المرة تقف آمال السودانيين مع وعود “حمدوك” لعلها تنتشل البلاد من الوضع الاقتصادي المنهار والنزاعات المسلحة التي تندلع بين الفينة والأخرى.

 

فهل سينجح رئيس الوزراء الجديد في تحقيق آمال السودانيين أم ستصدق تخمينات المراقبين في أن مهمة حمدوك مستحيلة في ظل بقاء حكم العسكر مهيمنا على مفاصل الحكم في البلاد؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.