الديمقراطية الغربية تحارب الأغلبية في الصومال

يتردد كثيرا في خطابات الساسة الغربيين عند الحديث عن الصومال رؤيتهم للاستقرار والأمن عن طريق الديمقراطية، ولذلك تكرر الحكومة الصومالية التي يدعمها الغرب الدعوة للديمقراطية، والترويج لها وتقديم الوعود بآلياتها.

ومعلوم أن الديمقراطية تستند إلى حكم الأغلبية، فهو الذي يسري على الشعب، بغض النظر عن ارتباطه بالعقيدة والدين والهوية، ما دامت الأغلبية تريده.

وفي الصومال، اجتمعت القبائل الصومالية على حكم الشريعة الإسلامية المستقلة والشاملة، معتزة بهويتها وتاريخها. وهو ما ترجمته باجتماعها تحت اتحاد المحاكم الإسلامية بعد حرب أهلية شرسة هدأت تماما بحكم المحاكم.

وعاش الصوماليون 6 أشهر في أمن واستقرار لم يعرفوه من قبل، ولكنه واقع لم يعجب الغرب فأقحمت الإدارة الأمريكية الجيش الإثيوبي لغزو الصومال وإسقاط اتحاد المحاكم.

وذلك لتفرض الديمقراطية التي في هذا المقام تعتبر مطلب أقلية صغيرة جدا من الشعب الصومالي، الذي يرفضها، ومع ذلك فرضتها واشنطن بقوة الجيوش والترسانة العسكرية!

هذه هي الديمقراطية الغربية في الصومال، إخضاع الشعب المسلم لأقلية قليلة جدا من الصوماليين الذين تربوا على أفكار الغرب في الشتات ورجعوا بدعم أمريكي لاستلام الحكومة في البلاد.

ولكن الشعب الصومالي رفض هذا الإخضاع، وانتفضت كتائب المجاهدين في حركة الشباب، الجناح العسكري للمحاكم بدعمه، وسطرت ملاحم ضد الاحتلال الإثيوبي وكبدته خسائر هائلة واضطرته للانسحاب من أغلب المناطق، وتمكنت من السيطرة على البلاد وحتى على العاصمة مقديشو التي بقيت فيها مساحة محدودة بيد النظام الدولي. ولكنه حشد قوات تحالفه وشن حربا شرسة تقوم أساسا على القصوفات الجوية، وبالمدفعية، في الأوساط السكانية، دون أدنى تمييز للمدنيين، فكانوا أكبر ضحاياها، مما اضطر المجاهدين للانسحاب والدخول في حرب عصابات تستنزف التحالف، لا تزال مستمرة من أكثر من عقد ونصف العقد من الزمن.

هذه هي الديمقراطية الغربية في أوضح صورها، مخادعة وكاذبة، فهي لا تسعى حتى لمصداقية مبادئها، وإنما تتقمص دورا مضللا يخفي حقيقة الاحتلال في داخلها.

وهكذا يفرض المجتمع الدولية حفنة من الفاسدين في الصومال لمنع الأغلبية من اختيارها الشريعة والاستقلالية بهويتها، ومن يرفض فقوة السلاح والبطش وتهم الإرهاب جاهزة.

فالغرب وأدواته في الصومال لا يهمهم ما تريده الأغلبية الصومالية، بل يهمهم شيئ واحد فقط: أن لا يحكم الصومال الإسلام. وللأسف يستغفلون العالم بالترويج للديمقراطية في حين أنهم يحاربون مبدأها في الصومال. وإن كان الشعب الصومالي المسلم لا يعترف بتشريع وضعي وترهات الأغلبية، ولا يقبل إلا شريعة الله تعالى.

في الواقع الحرب في الصومال تكشف درجة الانحطاط الأخلاقي للغرب وحلفه، وتكشف أيضا درجة التناقض التي يعيشها الغرب بجميع منظوماته، لقد جاءوا من خلف البحار، لفرض نظم ونظام حياة مخالف لقبائل الصومال المسلمة، بحجة فرض حكم الأغلبية، والتي هي الأغلبية الغربية لا الصومالية المسلمة! كل هذا لماذا؟ خشية أن يحكم الإسلام المنطقة، وتتحرر من قبضة الهيمنة فتنطلق قوية مزدهرة.

والغرب يعترف بأن حركة الشباب المجاهدين تقدم حكما أكثر قوة وعدلا وأمانا واستقرارا من حكوماتها الفاسدة المتوالية والمصنفة كأفسد حكومات على مستوى العالم رغم حجم الدعم والتلميع.

وهذا يعني أن الغرب يخشى بشدة الشريعة الإسلامية، وهذا يعني أيضا أن حكم الشريعة يعني توفير سيادة وقوة للمسلمين توصلها لمرتبة المنافسة وتهديد الغرب وسيادته الحالية.

ولذلك تستمر عجلة الصراع في اتجاه مستقبل لن تكون فيه الأغلبية المسلمة مستعبدة من الغرب طويلا، فشعب يحمل جميع مقومات التحرر لن يقبع داخل سجون الهيمنة مهما توالت استراتيجيات إخضاعه ما دام يحمل الإسلام منهجا وغاية وشرفا.

ولا شك أن وجود قوة جهادية ضاربة في الأرض سيحطم آمال الغرب في الصومال بل وفي كل شرق إفريقيا. وهو ما أكدته تجربة طالبان في أفغانستان وستؤكده من جديد كل حركة جهادية لم تبدل ولم تزل ملتزمة بمنهجها الاسلامي، العزيز والمستقيم والعادل.

محمد المقدشي