الحكومة التي تسرق طعام جنودها، كيف لها أن تحكم الصومال؟

لم تكن تقارير الفساد المستشري في الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب ولا صيحات الضحايا من تسلط مسؤوليها ودوائرها كافيا ليضبط الرؤى الغربية تجاه الصومال.
ولا نزال في كل يوم نسمع قضية فساد جديدة والداعم الغربي يغمض عينيه ويأبى إلا أن يقدم الشرعية والتمويل المستمر لهذه الحكومة المفروضة بقوة التحالف الدولي على الشعب الصومالي المسلم.
وفي الوقت الذي تسعى في القنوات الإعلامية الموالية للحكومة لتصوير هذه الحكومة كقادرة على ضبط قطاعاتها وتأمين جنودها وتستعرض نجاحات مزعومة لتطمئن الداعمين الدوليين لمزيد من الدفع، اعترفت هذه الحكومة على مضض بأن حصص الإعاشة لنخبة الجنود الصوماليين الذين دربتهم الولايات المتحدة في ما يسمى قوات “دناب” قد تم تحويلها داخل وحدة من قواتها.
في بيان صدر في وقت متأخر من يوم الخميس، قالت الحكومة إنها أجرت تحقيقا أسفر عن تعليق واحتجاز ضباط. ولم يتم الكشف عن عدد وهوية الضباط الموقوفين عن العمل والمحتجزين.
وجاء في البيان أن “القوات المسلحة الوطنية الصومالية (أبلغت) عن تحويل حصص داناب داخل وحدة من قواتها”، ولتخفيف وطأة الخبر على الداعمين الدوليين أضاف البيان:”بدأت (الحكومة) على الفور تحقيقا أدى إلى تعليق واحتجاز الضباط داخل الرتب لضمان المساءلة والشفافية “.
ولم تبلغ الحكومة الصومالية عن موعد تحويل مسار الحصص الغذائية ونوع الحصص الغذائية، لكنها قالت إنها “أبلغت أصحاب المصلحة بالحادث وستشارك نتائج هذه التحقيقات في الوقت المناسب”.
وبالتأكيد التزم وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور الصمت على مثل هذه الفضيحة. كما لم ترد السفارة الأمريكية في مقديشو على استفسارات الصحافة بشأن سرقة طعام مرتزقتها.
والأكثر جرأة، إشارة البيان إلى أن الحكومة الصومالية “ستتحمل” المسؤولية عن حصص دناب من الولايات المتحدة، في تلميح إلى أن واشنطن تقدم الدعم.
وتقدم الولايات المتحدة التأسيس والتدريب والتمويل والتوجيه والمساعدة لقوات “دناب” لسنوات عديدة لبناء قدرتها على محاربة حركة الشباب المجاهدين وبدون هذا الدعم تسقط القوات.
وفي الشهر الماضي، شاركت قوات دناب في مناورة عسكرية بقيادة الولايات المتحدة في شرق أفريقيا. وجاءت هذه المشاركة بعد كمّ الهزائم التي تكبدتها أفضل قوات صومالية تحت قيادة أمريكية، حيث شن مقاتلو حركة الشباب المجاهدين هجمات كاسحة على قواعدها الأمامية وسط الصومال واستولوا على كل الأسلحة والذخائر والمعدات والمركبات العسكرية التي حوتها القواعد، فضلا عن قتل عدد كبير من هذه القوات. وتشير التقارير إلى أن الحركة قد غنمت أكبر عدد من الآليات العسكرية لم يسبق لها أن غنمت مثله منذ أيام المحاكم الإسلامية وغزو إثيوبيا للبلاد.
ونظرا لتعثر خطوات الحكومة التي أقامها الغرب في الصومال، قررت الإدارة الأمريكية تعزيز وجودها المباشر في البلاد، ففي شباط/فبراير من هذا العام، أعلنت الحكومة الأميركية بناء ما يصل إلى خمس قواعد عسكرية للواء دناب وهو ما وصفه مراقبون بتمدد الاحتلال الأمريكي في الصومال.
وبعد فشل الحملة العسكرية للحكومة مدعومة من التحالف الدولي على مناطق سيطرة حركة الشباب المجاهدين وسط الصومال، لا تزال الحكومة تسعى بكل جهدها لتحقيق مستوى تجنيد يفي بمسؤوليات الأمن في البلاد، مع انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي من البلاد الذي من المفترض أن يكتمل بحلول نهاية هذا العام.
وعلى الرغم من حجم التطمينات من الحكومة بشأن قدرتها على تولي مهمة ضبط الصومال تحت وطأة الهيمنة الغربية إلا أن المسؤولين الحكوميين يتفاضون حاليا مع الشركاء الدوليين من أجل قوات متعددة الجنسيات لدعم بقائها في البلاد. ما يعني أن قوات التحالف الدولي سترجع تحت اسم جديد فقط، لتداري هزيمتها.
لا شك أن الإدارة الأمريكية ستغض الطرف عن سرقة طعام مرتزقتها، لكنها ستدفع المزيد من المال في كيس مثقوب! وستخسر المزيد كما خسرت من قبل ولن تحقق تقدما في البلاد.
ولذلك ارتفعت أصوات المحللين الغربيين الذين شاهدوا مآلات الاستراتيجيات الأمريكية في الصومال، للدعوة إلى مفاوضات مع حركة الشباب المجاهدين، لأن إقامة حكومة غير قادرة على الاكتفاء الذاتي وتعاني من الفساد الذي يمنعها من منافسة قوة وتمكين واستقرار الولايات الإسلامية، هو تكرار للتجربة الفاشلة للأمريكيين مع حكومة أفغانستان الهشة.
ولكن بعض الدروس لا تترسخ في أذهان الأمريكيين إلا بعد التورط أكثر بمزيد من الهزائم والخسائر والتكاليف والإحراج.
محمد عبد الغني