الاحتلال الإسرائيلي يستفرد بمخيم جباليا بتواطؤ ودعم أمريكي
بعد إعلام واشنطن تل أبيب بأن لديها مدة شهر كامل لتحسين الأوضاع الإنسانية في غزة، تستمر آلة القتل والعدوان في سفك دماء المدنيين، في حين تقبع جباليا تحت حصار شديد. وبذخيرة وأسلحة أمريكية في دعم مستمر من الولايات المتحدة للاحتلال.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إن 33 فلسطينياً على الأقل قتلوا مساء الجمعة خلال قصف إسرائيلي عنيف ومركز على عدد من المنازل قرب مفترق نصار في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة.
وأوضح المكتب أن من بين القتلى21 امرأة على الأقل، مرجحاً أن يتجاوز عدد القتلى 50 شخصاً بسبب “وجود العديد من القتلى تحت الأنقاض وتحت البنايات” التي قصفت “فوق رؤوس ساكنيها المدنيين”، بحسب المكتب.
وأضاف المكتب الإعلامي أن القصف تسبب في إصابة أكثر من 85 شخصاً، بينها إصابات خطيرة.
وفي وقت سابق مصادر طبية، إن أكثر من 60 شخصاً قتلوا خلال الغارات المستمرة على قطاع غزة منذ فجر الجمعة، 45 شخصاً منهم قتلوا في مخيم جباليا.
وأشارت المصادر الطبية إلى أن المرضى والجرحى لا يجدون علاجاً ويموتون دون أي تدخل طبي في شمال قطاع غزة، مؤكدة أن المنظومة الصحية في المحافظة الشمالية “تحت التدمير والإبادة الإسرائيلية منذ 15 يوماً”.
وحذرت المصادر الطبية – بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية – من نفاد الأدوية والمستلزمات الطبية في مستشفيات شمال القطاع، الأمر الذي يهدد حياة المواطنين هناك، وموضحة أن المستشفيات “لم يعد بها متسع، ويتم العمل بنظام الأولوية والمفاضلة”.
وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية إن القوات الإسرائيلية حاصرت مستشفى الإندونيسي في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، فجر السبت، واستهدفت كل من يتحرك في محيطه.
وأوضحت الوكالة أن دبابات إسرائيلية هدمت جزءاً من سور المستشفى، وأطلقت قذائف نحو المبنى ما تسبب في توقف المولد الكهربائي الذي يُغذي المشفى بالكهرباء.
يأتي ذلك فيما تستمر العملية العسكرية في شمال غزة لليوم الخامس عشر على التوالي، حيث أصبح أكثر من 200 ألف فلسطيني على الأقل، محاصرين في ظل قصف يومي.
وعصر الجمعة، أعلن جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة أن الجيش الإسرائيلي ارتكب المجازر في شمالي القطاع، حيث فجر ونسف مربعات سكنية “فوق رؤوس سكانها” في منطقة تل الزعتر شرق مخيم جباليا، على حد تعبيره.
وأضاف الجهاز: “بتنا لا نعرف ما يحدث بعد قطع الجيش الإسرائيلي الاتصالات، ولا نتمكن من الوصول لانتشال الجرحى والقتلى في كافة مناطق شمال القطاع بسبب منعنا وبسبب شدة القصف”.
وقال شهود عيان لبي بي سي إن جيش الاحتلال الإسرائيلي قطع الاتصالات وخدمات الإنترنت عن محافظة شمال قطاع غزة، وشن سلسلة من الغارات الجوية والأحزمة النارية والقصف المدفعي في المحافظة، استهدف خلالها عشرات المنازل خاصة في بلدة جباليا ومخيم جباليا للاجئين.
وناشد مسؤولو الصحة في غزة بضرورة إرسال الوقود والإمدادات الطبية والطعام على الفور إلى ثلاثة مستشفيات في شمال غزة، والتي استقبلت أعداداً كبيرة من المرضى والإصابات.
وقال أطباء من مستشفى كمال عدوان، إنهم اضطروا إلى استبدال الأطفال في العناية المركزة بحالات أكثر خطورة لأشخاص أصيبوا بجروح بالغة نتيجة الغارات الجوية الإسرائيلية على مدرسة تؤوي فلسطينيين نازحين في جباليا يوم الخميس.
وقال مدير مستشفى كمال عدوان، حسام أبو صفية، في مقطع فيديو إن الأطفال تم نقلهم إلى قسم آخرة، حيث تتم رعايتهم مؤقتاً.
وقال إن الطاقم الطبي أصبح “مرهقاً”، وإن إمدادات المستشفى، بما في ذلك الغذاء، نفدت بالكامل.
اغتيال الحارس الشخصي للسنوار
من جانب آخر، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أن الحارس الشخصي لرئيس حركة حماس يحيى السنوار، قُتل جنوبي غزة يوم الجمعة، قرب المكان الذي قتل فيه السنوار قبل يومين.
وأوضح جيش الاحتلال في بيان له إن “محمود حمدان قتل خلال مواجهة على بعد حوالى 200 متر من المكان الذي قُتل فيه السنوار”، مشيراً إلى أن حمدان كان مسؤولاً عن حراسة السنوار وقائداً لكتيبة تل السلطان التابعة لحماس.
خطة الجنرالات والواقع المرعب في الشمال
أثار هجوم الاحتلال الأخير على مخيم جباليا مخاوف من أن قوات الاحتلال تنفذ خطة “الاستسلام أو الموت جوعاً” لطرد مقاتلي حماس من شمال غزة، حيث يتعرض بعض السكان هناك للتهجير القسري.
وقال السكان إن التوغل الإسرائيلي الأخير في مخيم جباليا في شمال غزة كان كارثياً حيث يعاني السكان من القصف العدواني في الحرب التي دخلت عامها الثاني.
يقول محمد، الذي لم يرغب في ذكر اسمه عائلته، عبر الهاتف، لصحيفة دي دبليو:”الوضع هنا خطير. لا أحد يستطيع التحرك. الوضع خطير وغير آمن. طلبوا منا المغادرة، لكن لم يكن هناك وقت. فجأة، كانت المنطقة محاصرة وتحت النيران”.
قبل حوالي أسبوعين، شن جيش الاحتلال هجوماً برياً جديداً في مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة، حيث أمر الناس بمغادرة المنطقة مرة أخرى. وقالت القوات الإسرائيلية إن الاستخبارات أظهرت أن حماس تحاول إعادة تنظيم نفسها في المنطقة.
يخشى الفلسطينيون أن يكون الغزو الأخير جزءاً من تنفيذ أوسع لاستراتيجية “الاستسلام أو التجويع” من قبل الاحتلال لتهجير سكان الشمال بالقوة وإغلاق شمال غزة، وهي خطط ينفيها الاحتلال. وأكدت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في بيان: “يبدو أن الجيش الإسرائيلي يقطع شمال غزة بالكامل عن باقي القطاع”.
يقول محمد، البالغ من العمر 41 عاماً، أن زوجته وأطفاله الثلاثة كانوا يزورون أقاربهم في الجوار عندما تحركت الدبابات وتكثفت الغارات الجوية في جباليا. وطُلب منهم البقاء في مكانهم. “أحاول أنا وجيراني أن نبقى قريبين من بعضنا البعض، نحاول مشاركة ما تبقى من الطعام والماء. لا أعرف إلى متى سيستمر ذلك”، يقول محمد.
يقدر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن حوالي 50 ألف شخص تم تهجيرهم من جباليا خلال الأسبوعين الماضيين، بينما بقي آخرون محاصرين في منازلهم بسبب القتال العنيف الجاري حولهم. وحسب المكتب، توجد حوالي 84% من الأراضي توجد اليوم تحت “أوامر إخلاء” من قبل الجيش الإسرائيلي.
في وقت سابق من هذا الشهر، نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي خريطة توضح أوامر الإخلاء الجديدة في عدة مناطق من قطاع غزة، بما في ذلك بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا في شمال غزة، تم حث السكان على المغادرة فوراً بسلوك طريق صلاح الدين، وهو طريق رئيسي على طول الساحل من شمال غزة إلى جنوبها، للوصول إلى “المنطقة الإنسانية” المخصصة، وهي منطقة مكتظة تفتقر إلى الخدمات الأساسية في جنوب غزة، وقد استهدفها الاحتلال في الماضي.
لكن الكثير منهم يشعرون بالإرهاق من التهجير ويبدو أنهم يبحثون عن مأوى داخل شمال غزة في ظل القصف المتزايد والقتال.
تقول خدمات الطوارئ في غزة إنها لا تستطيع التنقل في مناطق القتال العنيف، وبالتالي فطلب النجدة من هذه المناطق يبقى دون إجابة. “هناك مخاطر كبيرة على سلامة المسعفين والدفاع المدني للوصول إلى هذه المناطق”، يوضح فارس عفانة، مدير خدمات الإسعاف في شمال غزة، مؤكداً “هناك أعداد كبيرة من المصابين، وهناك جثت شهداء منتشرة في الشوارع”.
يقدر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن ما لا يقل عن 400 ألف شخص يوجدون في شمال قطاع غزة، بما في ذلك مدينة غزة، أكبر مدينة في القطاع. كانت هناك أسباب متنوعة لمن بقوا في شمال غزة على الرغم من الأوامر العسكرية المتكررة خلال العام الماضي للذهاب إلى الجنوب، عندما بدأ القتال. بعضهم يعتني بالأقارب المسنين والمرضى، آخرون يرفضون ببساطة أن يقتلعوا من منازلهم، بينما آخرون يشعرون بعدم الأمان في الذهاب إلى أي مكان في ظل التهديد المستمر بالغارات الجوية. الكثير من العائلات مشتتة في جميع أنحاء غزة.
وأدت التحركات العسكرية الأخيرة وأوامر الإخلاء إلى تكهنات بين الفلسطينيين ووسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية بأن الحكومة الإسرائيلية تنفذ تدريجياً استراتيجية “الاستسلام أو التجويع”، المعروفة بـ “خطة الجنرالات”، في شمال غزة.
وقد اقترحت مجموعة من الضباط المتقاعدين بقيادة اللواء المتقاعد غيورا آيلاند، مستشار الأمن الوطني السابق الخطة. وحسب التقارير الإعلامية الإسرائيلية، ناقش مجلس الوزراء الإسرائيلي عدة خيارات، لكن من غير الواضح ما إذا تم تبني أي منها.
تشير التقارير إلى أن الاستراتيجية تهدف لإجبار حماس وقائدها، يحيى السنوار، على الاستسلام من خلال وضع الضغط على السكان المتبقين في الشمال.
كان ذلك قبل إعلان الجيش الإسرائيلي مقتل السنوار يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول.
اليمين المتطرف يطالب بعودة الاستيطان
ذكرت صحيفة “هآرتس” اليسارية الإسرائيلية هذا الأسبوع أن مسؤولين كبار في الدفاع أشاروا إلى أن القيادة السياسية تدفع باتجاه ضم أجزاء من قطاع غزة. يأتي ذلك في ظل دعوات متجددة من السياسيين والوزراء اليمينيين المتطرفين لعودة الاستيطان في غزة.
وأعلنت مجموعات يمينية متطرفة عن تجمع كبير في الأيام المقبلة لـ”التدريب” على إعادة الاستيطان في غزة. ومع ذلك، فقد كرر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفيه أي خطط للسماح للمستوطنين الإسرائيليين بدخول غزة. وبينما لم يتضح بعد ما إذا كان الجيش قد تبنى أي مكونات من الخطة في غزوه الحالي، فقد توالت تحذيرات المسؤولين في الأمم المتحدة.
وقال منسق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مهند هادي، في بيان يوم الأحد، إنه منذ الأحد، الأول من تشرين الاول/أكتوبر: “قطعت السلطات الإسرائيلية بشكل متزايد إمدادات أساسية عن شمال غزة”. وأضاف البيان أن العمليات العسكرية أجبرت المخابز والمراكز الطبية والملاجئ على الإغلاق، بينما “شهدت المستشفيات تزاحماً بعد الإصابات الناجمة عن الصدمات النفسية”.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، قتل أكثر من 42,500 فلسطيني، وأصيب أكثر من 99,500 آخرين، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، فيما لا يزال آلاف المفقودين تحت الأنقاض بحسب وزارة الصحة في قطاع غزة.
وكالات الأنباء