ارتفاع عدد القتلى في الثورة السودانية والبشير يفشل في إخمادها رغم استعانته بالروس والدول الخليجية
تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية
وتستمر الاحتجاجات السودانية التي لبست لباس الثورة، وانتظمت هذه المرة ليس للمطالبة بخفض الأسعار وتحسين المعيشة بل لإسقاط نظام عمر البشير الذي جثم على صدور السودانيين حوالي 30 سنة. سطّر خلالها سجلا ثقيلا من الجرائم وسياسات القمع والاستبداد بحق الشعب السوداني.
ولم تنفع التهديدات التي صدرت من عمر البشير في كبح الحراك السوداني أو منع السودانيين من مواصلة الثورة، حيث كشفت تقارير ميدانية عن استعانة الرئيس السوداني بوسائل عديدة لقمع هذه الثورة دون جدوى، كان منها استعمال القوة والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والحي، فضلا عن التهديدات – المستمرة – بالقتل. حيث توعد البشير في خطاب شديد اللهجة بقطع أيادي من وصفهم بـ”المخربين” و”المتمردين” و”الخونة” وقال البشير: “حا نجزهم (أي سوف نستأصلهم) ونمزقهم ونكشفهم ونوريكم ليهم واحد واحد. لن أذهب إلا بأمر من الشعب السوداني وليس من الخونة والمُرتزقة والعملاء. نحن نبني وهم يهدمون”. بحسب تعبير الرئيس السوداني.
الاستعانة بالروس وحكومات الخليج
ولم يكتفي الرئيس السوداني بتهديد السودانيين بعصاه الحديدية ولسانه السليط، بل استعان بمرتزقة روس في محاولة لقمع هذه الثورة، بحسب ما رصدت العديد من التقارير.
فقد كشفت الثورة السودانية عن دور خفي للروسيين الذين يعملون على توجيه قوات الأمن السودانية لأفضل مواجهة لهذه الاحتجاجات.
ويجدر الذكر أن روسيا سبق وأن استضافت لمرتين الرئيس السوداني عمر البشير، الذي اتهمته المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب. ويعتبر التدخل الروسي في السودان أحد ملامح التدخل الروسي في القارة الإفريقية.
ولم تقف أساليب الرئيس السوداني عند هذا الحد بل استعان بنجدة الحكومات الخليجية كالإمارات وقطر لتحسين بعض أسعار البنزين والخبز، ولكن كل هذا لم يؤدي إلى تهدئة ثورة السوادنيين التي لم تعد تطالب بتحسين الوضع المعيشي بل أصبحت تصّر على مطلب إسقاط نظام البشير برمته.
الإنفاق العسكري والأمني في الحكومة السودانية
ويجدر الإشارة إلى أن تقرير منظمة (ذي سانتري) لعام 2016، وهي منظمة متخصصة في رصد الإنفاقات العسكرية في القارة الإفريقية، خلص إلى أن ميزانية الحكومة السودانية تذهب أغلبها للمؤسسات العسكرية والأمنية، حيث يصل هذه المؤسسات 70% من ميزانية الدولة.
ولم يبالي البشير بالانتقادات التي وجهت له بشأن هذا الصرف العالي على المؤسسات العسكرية والأمنية في وقت يعاني فيه الشعب السوداني ويكابد لدفع ثمن رغيف الخبز، وقال: “لو كل ميزانية الدولة تم تحويلها بنسبة 100% للقوات المسلحة لتأمين البلاد هي شوية عليها”. ما يعكس السياسة التي يعتمد عليها الرئيس السوداني في بسط نفوذه على السودان.
الثورة تستمر وتنعي قتلاها
وقد انطلقت الاحتجاجات السلمية في البلاد منذ 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتحولت اليوم إلى ما يوصف بـ “الثورة المباركة”، وبحسب بعض المصادر السودانية فقد فاق عدد القتلى في هذه الثورة منذ انطلاقتها، الأربعين.
من جهتها أعلنت السلطات السودانية أن حصيلة ضحايا الاحتجاجات الشعبية المستمرة في البلاد منذ الشهر الماضي ارتفعت إلى 26 قتيلا.
(صور لبعض ضحايا قمع قوات الأمن السودانية)
فيما أصدر الرئيس السوداني قرارًا بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد وكلّف وزير العدل في حكومته بتولي هذه المهمة ما دفع للتشكيك في حيادية هذه اللجنة.
لغة التهديد بقطع الرؤوس هذه المرة على لسان المعارضة
وفيما يعد تطورًا في التراشقات الكلامية بين أعضاء الحكومة السودانية والمعارضة، فقد ترددت في الآونة الأخيرة عبارات التهديد بقطع الروؤس من كلا الطرفين.
حيث ظهر رئيس الجبهة الوطنية المعارضة، علي محمود حسنين من لندن، وهدد بجز رؤوس كل المشاركين والمتعاونين والمؤيدين لنظام عمر البشير حال سقوطه.
وقال علي محمود حسنين: نظام البشير “يقوم على مرتكزات الفساد والدم والإقصاء والقهر منذ أن جاء اليوم الأسود يوم 30/6/1989″، وإنه “عليهم أن يتحسسوا رقابهم” .
وبحسب حسنين فقد سبقه لهذه التهديدات الرئيس السوداني الذي حرض على قتل المتظاهرين ونائب الرئيس الذي تباهى بقدرتهم على قهر وقتل هؤلاء المتظاهرين ثم رئيس البرلمان السابق الذي قال “إنه سيقطع رأس كل متظاهر”.
ثورة واعدة
وتتعلق الأنظار بثورة الشعب السوداني التي انطلقت بعد الإحباط الكبير الذي نال من ثورات الشعوب المجاورة والمعروفة باسم “الربيع العربي”.
وهي الثورات التي أجهضت بسبب الثورة المضادة التي سُلطت عليها من قبل جذور الأنظمة العميقة المحلية والمدد الإقليمي والغربي الذي يحاول بكل الوسائل تثبيت أنظمة فاسدة موالية له، تضمن هيمنته على العالم الإسلامي.
ويرى المراقبون أن الثورة السودانية واعدة اليوم بعد استمرارها بشكل قوي، رغم القمع المسلح الذي تتعرض له في غياب أي دعم خارجي لها، ويرون أيضا أنها مرشحة لإحراز الانتصار على نظام عمر البشير، وذلك بسبب رصيد النجاحات في تاريخ الثورات السودانية السابقة، حيث سبق وأن قاد الشعب السوداني بنجاح ثورتين في تاريخ بلاده، الأولى ضد نظام الجنرال إبراهيم عبود في عام 1964 والثانية ضد الجنرال جعفر النميري في عام 1985 ولن يعجز عمر البشير الشعب السوداني كسابقيه، مهما تمرّس في استعمال أساليبه القذرة واستمر في انتهاك حقوق هذا الشعب المظلوم.
واليوم بعد أن استمرت ثورة السودان صامدة، فإن نجاحها لن يكون بمثابة إنجاز للشعب السوداني فحسب بل قد يبث الحياة في ثورات أخرى مجاورة شارفت على الموت أو تعاني من موت سريري.
فهل ستدخل هذه الثورة في سجل الثورات الناجحة في اقتلاع الأنظمة الفاسدة في تاريخ ثورات العالم؟
ثباتها وانتظامها وسلامة منهجها هي العوامل المحددة لإمكانية إحراز هذا النجاح.