آن الأوان ليبحث البنتاغون عن بديل لجيبوتي
تقرير خاص لوكالة شهادة الإخبارية
نشر مايكل روبن مقالة له في مجلة “ناشيونال أنترست” تحمل عنوان ” آن الأوان ليبحث البنتاغون عن بديل لجيبوتي” يلخص فيها الأسباب التي تستوجب من واشنطن تحويل مقر قاعدتها “معسكر ليمونير” من البلد الصغير الذي يضم عددًا كبيرًا من القواعد العسكرية الأجنبية أخطرها القاعدة الصينية.
وقال روبن الباحث المقيم في معهد أمريكان إنتربرايز :”كان دور جيبوتي في الأمن القومي الأمريكي منذ عقود من الزمن لا يتناسب مع حجم هذه البلاد الصغيرة الواقعة في شرق إفريقيا التي طالما كانت مركزًا لوجستيًا للجيش الأمريكي”.
وأشار الكاتب لمطار جيبوتي الذي سهّل عمليات إمداد القوات الأمريكية في الصومال في أوائل التسعينيات، ولمينائها حيث رست سفن البحرية الأمريكية بشكل متكرر.
ولأن جيبوتي كانت مستعمرة فرنسية لمدة ما يقرب من قرن قبل استقلالها عام 1977 فقد استضافت القوات الفرنسية على أرضها، مما سمح للجيش الأمريكي من الاستفادة من البنية التحتية الفرنسية عند الضرورة.
بيد أن الاستفادة الحقيقية من جيبوتي في الحسابات الأمنية الأمريكية جاءت بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، عندما شكلت إدارة جورج بوش فرقة العمل المشتركة في القرن الإفريقي (CJTF-HOA) بداية للتنسيق وتنفيذ العمليات الإقليمية. ومن ثم الإشراف على عمليات مكافحة ما يُسمى الإرهاب في اليمن والمنطقة برمتها. بحسبما أشارت المقالة.
وزاد اعتماد إدارة أوباما المتزايد على هجمات الطائرات بدون طيار – التي انطلقت الكثير منها من جيبوتي – زاد هذا الاعتماد من أهمية البلاد.
من جانبه استثمر البنتاجون عدة مليارات من الدولارات في معسكر ليمونير، الذي أصبح اليوم أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في إفريقيا وحجر الأساس لقيادة عمليات الولايات المتحدة في القارة السمراء، حيث يستضيف أربعة آلاف جندي وبحار ومارينز ينتشرون على مساحة تقدر بخمسمائة فدان.
وأوضح الكاتب أن الولايات المتحدة لم تكن الوحيدة التي تدرك أهمية موقع جيبوتي الاستراتيجي.
فقد سبقها الفرنسيون باقتطاع جيبوتي من الصومال الكبير بسبب موقعها ومرفأها المهمين.
وأنشأ البريطانيون محطة للفحم في عدن لدعم المصالح العسكرية والتجارية للمملكة المتحدة في شرق إفريقيا والمحيط الهندي.
وخدمت جيبوتي – التي تمتلك ميناءً على بعد 150 ميلاً من عدن – نفس الهدف الذي سعى له الفرنسيون من خلال الحفاظ على مدغشقر وجزر الموريشيوس وغيرها من المصالح الإقليمية آمنة.
وجعلت قناة السويس من باب المندب الذي يمثل نقطة العبور المتاخمة لجيبوتي جعلت منه أكثر أهمية.
واليوم بالإضافة إلى حضور الولايات المتحدة في جيبوتي، تحتفظ فرنسا بوجود لها وتستضيف القوات الألمانية والإسبانية في قاعدتها. ويوجد لدى إيطاليا واليابان أيضًا مرافق عسكرية، كما تستأجر كل من السعودية والإمارات مساحة لهما في جيبوتي.
وفي الوقت نفسه، قامت الصين ببناء قاعدة عسكرية رئيسية جديدة في البلاد تزامنًا مع توسع مصالحها في حوض المحيط الهندي وأفريقيا.
وأشار الكاتب إلى مساعي إيران في كسب موطأ قدم لها في جيبوتي في الماضي لكنها أُجبرت على الخروج بسبب الضغوط الأمريكية والغربية.
وتسامحت الصين مع وجود منافسيها الجيوسياسيين في جيبوتي، في حين كانت الحكومة الجيبوتية سعيدة بالاستفادة من موقعها لجمع الإيجارات من أكبر عدد ممكن من القوى الخارجية. لكن ليس كل مستثمر في جيبوتي على حد سواء بحسبما أوضح الكاتب.
فقد قامت الصين بتمويل خط أنابيب للمياه لجيبوتي، فضلاً عن سكة حديد إلى غاية العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وحين بلغت المساعدات الأمريكية لجيبوتي ذروتها بـ 31 مليون دولار في عام 2017، وقعت شركة صينية صفقة أولية بقيمة 4 مليارات دولار للغاز الطبيعي مع جيبوتي في نفس العام. بحسب ما كشف الكاتب.
وأوضح روبن أن هذا التباين في حجم المعونات التي تحصل عليها جيبوتي قد يكون كافيًا لترجح كفة الميزان لصالح بكين، فكيف إذا أضفنا له فساد جيبوتي الذي يتصل بالصين على الأرجح. في إشارة إلى عامل آخر مهم يدفع لاستبدال جيبوتي وهو فساد حكومتها التي لا يعوّل عليها.
فلم يكن لدى جيبوتي سوى زعيمين منذ استقلالها حيث حكم حسن جوليد أبتدون البلاد بقبضة حديدية لمدة 22 عامًا الأولى بعد استقلالها. وعند وفاته، تولى ابن أخيه وخليفته المختار إسماعيل عمر جيلة الحكم، ولا زال يحكم البلاد منذ ذلك الوقت.
ولا يزال الفساد يمثل مشكلة كبيرة في البلاد مع وجود حظ ضئيل جدا لتستمر الصفقات دون أن يستفيد منها جيلة أو أقاربه لصالحهم شخصيا. وإن لم يكن بالرشوة، فمن خلال العقود التجارية التي قد تعتبرها أي دولة غربية مضاربة في المصالح.
ومع ذلك، يبدو أن إدارة ترامب مثل إدارة أوباما لا تزال في حالة غياب. بحسبما خلص الكاتب.
فقد استثمر البنتاغون الكثير من الأموال في منشآت جيبوتي بشكل يصعب تخيله، وناهيك عن تبرير الكونغرس بأن هذه الأموال قد أهدرت بالفعل فإن القصور الذاتي لا يزال يمثل مشكلة.
وضرب الكاتب مثالا كيف مدّ المخططون العسكريون الأمريكيون مع مرور الوقت أذرع الولايات المتحدة إلى المنشآت في رومانيا وبلغاريا، وكذلك في شمال الأردن من أجل إيجاد بديل عن تركيا التي يحكمها الرئيس طيب رجب أردوغان “المضطرب”.
واقترح الكاتب بناء على هذا المثال أن يوجه البنتاجون اهتمامه إلى البحرين كبديل، بدل سعيه لمضاعفة حجم قواته ونفوذه في قطر المجاورة.
فلم تستضف البحرين الأسطول الخامس الأمريكي فقط، بل استضافت قاعدة عيسى الجوية في البحرين أربع مرات طائرات أمريكية إضافية خلال عملية عاصفة الصحراء، وهي الطائرات التي تقوم قاعدة العديد الجوية القطرية باستضافتها الآن.
وأكد الكاتب على ضرورة البحث أيضا عن بديل لجيبوتي، حيث قال: “مع قدرة الصين على الاستفادة من الولايات المتحدة في جيبوتي في أي وقت، فإن الأمر يتطلب من إدارة ترامب أن تجد بديلاً لجيبوتي الآن”.
وأضاف مناقشًا حظوظ البدائل المحتملة: “فإثيوبيا ليست ملاذًا، لأنها لا تمتلك ميناءً ولأن الاستثمارات والتجارة الصينية تربطها بالمثل بآسيا أكثر من الغرب. وبينما تستضيف إريتريا ميناء الإمارات، وقد تتعاون مع إسرائيل أيضًا، إلا أن الانتقال السياسي غير المؤكد، والمرافق السيئة، والوضع الرهيب لحقوق الإنسان يجعل الوجود الأمريكي غير ممكن في هذه البلاد”.
وعن البديل المقترح يقول الكاتب: “يمكن لصومالي لاند، أن تكون بديلًا. فميناءها الرئيسي بربرة يستضيف واحدة من أطول مهابط الطائرات في إفريقيا”.
وذكر الكاتب النشاط الأمريكي في هذه المنطقة في السابق حيث حافظت الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة على وجود عسكري، لا زالت آثاره في البلاد.
وميناء بربرة هو ميناء في المياه العميقة قادر على استيعاب معظم السفن الأمريكية.
وناقش الكاتب سبب عدم اكتراث الحكومة الأمريكية بصومالي لاند حيث تقطع فعليًا التعامل المباشر معها خشية أن يؤدي ذلك إلى غضب مقديشو، التي لا تستطيع حكومتها حتى السيطرة على عاصمتها.
ويجدر الذكر أن صومالي لاند إقليم انفصالي أعلن انفصاله عن الصومال في عام 1992 ولا يحظى باعتراف دولي رغم مساعيه الحثيثة لأجل تحقيق ذلك.
وقال الكاتب: “إن هذا الاحترام الأمريكي للحكومة الصومالية مثير للسخرية بكل الأوجه، لأن الحكومة الصومالية في مقديشو هي حكومة شكلية نظرية أكثر من كونها حقيقية تمتلك القدرة على السيطرة والحكم، وقد أذعنت بنفسها للصين، وعجزت أمام حركة الشباب المجاهدين، وأخيراً وليس آخراً لابد لواشنطن وينبغي لها ألا تعلق مصالحها الوطنية بحكومة مقديشو”.
وقال الكاتب: “بدلاً من المخاطرة بالأمن والمصالح الأمريكية، ينبغي على وزير الخارجية مايك بومبو ومساعد وزير الخارجية تيبور ب. ناجي جونيور والسفير الأمريكي في الصومال دونالد ياماموتو الاعتراف بأن العلاقات العسكرية لم تتماشى مطلقًا مع الاعتراف الدبلوماسي الرسمي بالحكومات”، وأضاف: ” أسأل الأكراد السوريين أو الأكراد العراقيين أو تايوان. في كل من الشرق الأوسط وشرق آسيا، لقد أدرك جيل من المسؤولين أنه ينبغي عليهم إعطاء الأولوية للأمن والدفاع الأمريكيين فوق كل المخاوف “. في إشارة إلى إقامة واشنطن لعلاقات مصالح مع قوى غير معترف بها رسميا كحكومات.
وختم الكاتب مقالته بتوجيه نقد للحكومة الأمريكية قائلا: “إن وضع كل بيض أمريكا في سلة واحدة – وسلة غير آمنة بشكل متزايد – ليست استراتيجية لحماية مصالح أمريكا في الحرب ضد ما يُسمى الإرهاب”.
“ولا تحتاج الولايات المتحدة إلى مغادرة جيبوتي، ولكن حان الوقت للنظر في الخطة “ب” وإلا فإن همسة واحدة من بكين إلى رئيس جيبوتي قد تشل قدرة أمريكا في الدفاع عن نفسها وحلفائها”.
وتأتي هذه المقالة لتسلط الضوء على خطر التوغل الصيني في جيبوتي التي تلتزم مع بكين باستثمارات هائلة وسجل من الديون ثقيل وأصبحت العلاقة الصينية الجيبوتية مصيرية في حين يشكل التواجد الأمريكي المنافس لبكين، عامل خطر على القوات الأمريكية في البلد الصغير قبالة باب المندب.
فهل ستأخذ الإدارة الأمريكية هذه المعطيات في الحساب مع احتدام المنافسة مع الصين في القارة الإفريقية أم ستنتظر اشتعال فتيل النار في جيبوتي التي لن تصمد كثيرًا عند تناطح الدول الكبرى ولن تنفعها إيجارات القواعد العسكرية التي تسعى لجمعها دون الاكتراث بتداعيات الصراعات الدولية والمصالح الجيواستراتيجية واختلال توازن القوى في المنطقة وفي العالم.